انصرفوا، فأقاموا ساعة، ثم طلعوا بجُرْز شبيه أن يكون معهم مثله؛ مرّة أو مرّتين، فدقوا الباب بجِرَزَة الحديد، وصيَّحوا فلم يكلمهم أحد، فرجعوا فأقاموا ساعة، ثم جاؤوا بأمر ليس عليه صَبْر؛ فظننت والله أن قد هدموا الدار علي؛ فأمرت بفتحها، وخرجت إليهم فاستحثوني وهمُّوا أن يحملوني، وجعلت أسمع العزاء من بعضهم حتى أسلموني إلى دار مَرْوان، فأخذ رجلان بعضدي، فخرّجاني على حال الدفيف على الأرض أو نحوه، حتى أتيا بي حجرة القبّة العظمى، فإذا الربيع واقفٌ، فقال: ويحك يا زياد! ماذا فعلت بنا وبنفسك منذ الليلة! ومضى بي حتى كشف ستر باب القبّة، فأدخلني ووقف خَلْفي بين البابين؛ فإذا الشمع في نواحي القبّة، فهي تزهر، ووصيف قائم في ناحيتها، وأبو جعفر محتَبٍ بحمائل سيفه على بساط ليس تحته وسادة ولا مصلّى، وإذا هو منكسٌ رأسَه ينقر بجرْز في يده.
قال: فأخبرني الربيع أنها حاله من حين صلى العَتمة إلى تلك الساعة، قال: فما زلتُ واقفًا حتى إني لأنتظر نداء الصبح، وأجد لذلك فَرجًا؛ فما يكلمني بكلمة، ثم رفع رأسه إليّ، فقال: يا بن الفاعلة، أين محمد وإبراهيم؟ قال: ثم نكس رأسه، ونكث أطْوَل مما مضى له، ثم رفع رأسه الثانية، فقال: يابن الفاعلة، أين محمد وإبراهيم؟ قتلني الله إن لم أقتلك! قال: قلت له: اسمع مني ودعْني أكلّمك، قال: قل، قلت له: أنت نفرتهما عنك؛ بعثت رسولًا بالمال الذي أمرت بقَسْمِه عليّ بني هاشم، فنزل القادسيّة، ثم أخرج سِكينًا يحدّه، وقال: بعثني أمير المؤمنين لأذبح محمدًا وإبراهيم، فجاءتهما بذلك الأخبار، فهربا، قال: فصرَفني فانصرفتُ.
قال عمر: وحدّثني عبد الله بن راشد بن يزيد - وكان يلقب: الأكَار، من أهل فَيْد - قال: سمعت نصر بن قادم مولى بني محول الحنّاطين: قال: كان عبدويه وأصحاب له بمكة في سنة حجّها أبو جعفر، قال: فقال لأصحابه: إني أريد أن أوجر أبا جعفر هذه الحربة بين الصَّفا والمروة، قال: فبلغ ذلك عبد الله بن حسن فنهاه، وقال: أنت في موضع عظيم؛ فما أرى أن تفعل.
وكان قائد لأبي جعفر يدعى خالد بن حسان، كان يدعى أبا العساكر على ألف رجل، وكان قد مَالأ عبدويه وأصحابه، فقال له أبو جعفر: أخبرني عنك