للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكنكما ذلك؛ ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشَا كريمين؛ فلا يمنعْكما أن تموتا كريمين.

قال عمر: وحدّثني محمد بن يحيى قال: حدثني الحارث بن إسحاق، قال: لما صار بنو حسن إلى الرَّبذة دخل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان على أبي جعفر، وعليه قميصٌ وساجٌ (١) وإزار رقيق تحت قميصه؛ فلما وقف بين يديه، قال: إيهًا يا ديّوث (٢)! قال محمد: سبحان الله! والله لقد عرفتَني بغير ذلك صغيرًا وكبيرًا، قال: فممّ حملت ابنتُك؟ وكانت تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن - وقد أعطيتني الأيمان بالطلاق والعتاق ألا تغشى ولا تمالئ عليَّ عدوًّا، ثم أنت تدخل على ابنتك متخضّبة متعطّرة، ثم تراها حاملًا فلا يروعك حملها! فأنت بين أن تكون حانثًا أو ديُّوثًا؛ وايم الله إني لأهمّ برجْمها، فقال محمد: أما أيماني فهي عليّ إن كنت دخلت لك في أمر غشّ علمته، وأما ما رميتَ به هذه الجارية، فإن الله قد أكرمها عن ذلك بولادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها؛ ولكني قد ظننت حين ظهر حملها أنّ زوجها ألمّ بها على حين غفلة منا، فاحتفظ أبو جعفر من كلامه، وأمر بشق ثيابه، فشق قميصه عن إزاره، فأشفّ عن عورته، ثم أمر به فضرب خمسين ومئة سوط؛ فبلغت منه كلّ مبلغ، وأبو جعفر يفتري عليه ولا يكني؛ فأصاب سوط منها وجهَه، فقال له: ويحك! اكفف عن وجهي فإن له حرمة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: فأغرى أبو جعفر، فقال للجلاد: الرأس الرأس، قال: فضُرب على رأسه نحوًا من ثلاثين سوطًا، ثم دعا بساجور من خشب شبيه به في طُوله - وكان طويلًا - فشدّ في عنقه، وشُدَّت به يده؛ ثم أخرج به ملبَّبًا، فلما طلع به من حجرة أبي جعفر؛ وثب إليه مولى له، فقال: بأبي أنت وأمي ألا ألوثُك بردائي! قال: بلَى جُزيت خيرًا؛ فوالله لشُفوف إزاري أشدّ عليَّ من الضرب الذي نالني؛ فألقى عليه المولى الثوب، ومضى به إلى أصحابه المحبَّسين.

قال: وحدّثني الوليد بن هشام، قال: حدّثني عبد الله بن عثمان، عن محمد بن هاشم بن البريد، مولى معاوية، قال: كنتُ بالرَّبذة، فأتيَ ببني حسن


(١) الساج: الطيلسان الأخضر. القاموس ص ٢٤٨.
(٢) الديوث، من التديث؛ وهو القيادة. اللسان (٢/ ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>