للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصلحه الله! قال: بخير - بصوت ضعيف - قال: ثم صمت طويلًا ثم تنبّه، فقال: إيهًا يا أهلَ المدينة! أميرُ المؤمنين يطلب بغيتَه في شرق الأرض وغربها؛ وهو ينتفق بين أظهركم! أقسم بالله لئن خرج لا أترك منكم أحدًا إلا ضربت عنقه، فقال أخي: أصلحك الله! أنا عذيرك منه، هذا والله الباطل، قال: فأنت أكثر مَنْ هاهنا عشيرة، وأنت قاضي أمير المؤمنين، فادعُ عشيرتك، قال: فوثب أخي ليخرج، فقال: اجلس، اذهب أنت يا ثابت، فوثبتُ، فأرسلت إلى بني زُهرة ممن يسكن حشّ طلحة ودار سعد ودار بني أزهر: أن أحضِروا سلاحكم.

قال: فجاء منهم بِشر، وجاء إبراهيم بن يعقوب بن سعد بن أبي وقاص متنكبًا قوسًا - وكان من أرمى الناس - فلما رأيتُ كثرتهم، دخلت على رياح، فقلت: هذه بنو زهرة في السلاح يكونون معك. ائذن لهم، قال: هيهات! تريد أن تُدخل عليّ الرجال طروقًا (١) في السلاح، قل لهم: فليجلسوا في الرحبة؛ فإن حدث شيء فليقاتلوا، قال: قلت لهم: قد أبى أن يأذن لكم، لا والله ما هاهنا شيء، فاجلسوا بنا نتحدّث.

قال: فمكثنا قليلًا، فخرج العباس بن عبد الله بن الحارث في خيل يعسُّ حتى جاء رأس الثنيَّة، ثم انصرف إلى منزله وأغلقه عليه؛ فوالله إنا لعلى تلك الحال إذْ طَلع فارسان من قبَل الزّوْرَاء يركضان؛ حتى وقفا بين دار عبد الله بن مُطيع ورحبة القضاء في موضع السقاية، قال: قلنا: شرّ الأمر والله جدّ، قال: ثم سمعنا صوتًا بعيدًا، فأقمنا ليلًا طويلًا، فأقبل محمد بن عبد الله من المذاد ومعه مئتان وخمسون رجلًا، حتى إذا شرع على بني سَلِمة وبُطْحَان، قال: اسلكوا بني سَلِمة، سلمنا إن شاء الله، قال: فسمعنا تكبيرًا؛ ثم هدأ الصوت فأقبل حتى إذا خرج من زُقاق ابن حبين استبطن السوق حتى جاء على التمّارين، حتى دخل من أصحاب الأقفاص، فأتى السجن وهو يومئذ في دار ابن هشام، فدقّه، وأخرج مَن كان فيه، ثم أقبل حتى إذا كان بين دار يزيد ودار أويس نظرنا إلى هَوْل من الهوْل (٢).

قال: فنزل إبراهيم بن يعقوب، ونكب كنانته وقال: أرمي؟ فقلنا: لا تفعل،


(١) طروقًا، أي ليلًا. القاموس ص ١١٦٦.
(٢) جهم بن عثمان: "قال أبو حاتم مجهول [الجرح والتعديل ٢/ ٥٢٢، تر ٢١٩٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>