الأشتر: إلى أيّ الفريقين أحبّ إليك أن تسير؟ فقال: إلى أيّ الفريقين أحببت، فنظر المختار، وكان ذا رأي، فكره أن يسير إلى قومه فلا يبالغ في قتالهم - فقال: سرْ إلى مضرَ بالكُناسة وعليهم شَبَث بن ربعيّ ومحمَّد بن عمير بن عطارد، وأنا أسير إلى أهل اليمن.
قال: ولم يزل المختار يُعرف بشدّة النفس، وقلَّة البُقْيَا على أهل اليمن، وغيرهم إذا ظفر، فسار إبراهيمُ بن الأشتر إلى الكُناسة، وسار المختار إلى جبَّانة السَّبيع، فوقف المختار عند دار عُمَر بن سعد بن أبي وقَّاص، وسرّح بين أيديه أحْمَر بن شُميط البجَليّ، ثمّ الأحمسيّ، وسرّح عبد الله بن كامل الشاكريّ، وقال لابن شميط: اِلزَم هذه السّكّة حتى تخرج إلى أهل جبَّانة السَّبيع من بين دُور قومك، وقال لعبد الله بن كامل: اِلزَم هذه السكَّة حتَى تخرج على جبَّانة السَّبيع من دار آل الأخنس بن شَرِيق، ودعاهما فأسرّ إليهما أنّ شِبامًا قد بعثتْ تُخبرني أنَّهم قد أتَوا القوم من ورائهم، فمَضَيا فسَلَكا الطريقين اللَّذين أمرهما بهما، وبلغ أهل اليمن مسيرُ هذين الرجلين إليهم، فاقتسموا تَيْنِك السكَّتَين، فأما السكة الّتي في دبر مسجد أحْمَس فإنَّه وقف فيها عبدُ الرحمن بنُ سعيد بن قيس الهمْدانيّ وإسحاق بن الأشعث وزَحْر بن قيس، وأمَّا السكَّة الَّتي تلي الفُراتَ فإنَّه وقف فيها عبدُ الرحمن بن مخنف، وبشير بن جرير بن عبد الله، وكعب بن أبي كعب، ثم إن القوم اقتتلوا كأشدّ قتال اقْتَتَله قوم، ثمّ إنّ أصحابَ أحْمر بن شُمَيط انكشفوا وأصحاب عبد الله بن كامل أيضًا، فلم يُرَع المختارُ إلّا وقد جاءه الفَلُّ قد أقبل؛ فقال: ما وراءكم؟ قالوا: هُزِمنا؛ قال: فما فعل أحمر بن شُمَيط؟ قالوا: تركناه قد نزل عند مسجد القصّاص - يَعنُون مسجدَ أبي داود في وادعة، وكان يعتاده رجالُ أهل ذلك الزمان يقصّون فيه، وقد نزل معه أناس من أصحابه - وقال أصحاب عبد الله: ما ندري ما فعل ابن كامل! فصاح بهم: أن انصرِفوا، ثمّ أقبل بهم حتَّى انتهى إلى دار أبي عبد الله الجُدَليّ، وبعث عبد الله بن قُراد الخثعميّ - وكان على أربعمئة رجل من أصحابه - فقال: سرْ في أصحابك إلى ابن كامل، فإنْ يك هلك فأنت مكانه، فقاتِل القومَ بأصحابك وأصحابه، وإن تجده حيًّا صالحًا فسرْ في مئة من أصحابك كلُّهم فارس، وادفع إليه بقيَّة أصحابك، ومرْ بالجدّ معه والمناصحة له، فإنّهم إنَّما يناصحونني، ومَن