ناصحني فليبشر، ثمّ امضِ في المئة حتَّى تأتي أهل جبَّانة السَّبيع ممَّا يلي حمَّام قَطَن بن عبد الله، فمضى فوجد ابن كامل واقفًا عند حمَّام عمرو بن حُريث معه أناس من أصحابه قد صبروا وهو يقاتل القومَ، فدفع إليه ثلاثَمئة مِنْ أصحابه ثمّ مضى حتَّى نزل إلى جبَّانة السَّبيع.
ثم أخذ في تلك السّكك حتَّى انتهى إلى مسجد عبد القيس، فوقف عنده، وقال لأصحابه: ما ترون؟ قالوا: أمْرنا لأمرِكَ تَبع وكلّ من كان معه من حاشد من قومه وهم مئة؛ فقال لهم: والله إني لأحبّ أن يظهرَ المختار، ووالله إني لكارهٌ أن يَهلِك أشرافُ عشيرتي اليوم، ووالله لأن أموتَ أحبّ إليّ من أن يَحلّ بهم الهلاك على يديّ، ولكن قِفوا قليلًا فإني قد سمعتُ شبامًا يزعمون أنَّهم سيأتونهم من ورائهم، فلعلّ شبامًا تكون هي تفعل ذلك، ونُعافَى نحن منه، قال له أصحابه: فرأيَك، فثبت كما هو عند مسجد عبد القيس، وبعث المختارُ مالكَ بن عمرو النهدىّ في مئتي رجل - وكان من أشدّ الناس بأسًا - وبعث عبد الله بن شريك النهديّ في مئتي فارس إلى أحمرَ بن شميط، وثبت مكانَه، فانتهوا إليه وقد علاه القوم وكَثَروه، فاقتتلوا عند ذلك كأشدّ القتال، ومضى ابن الأشتر حتَّى لقي شَبَث بن رِبْعي، وأناسًا معه من مضر كثيرًا، وفيهم حسَّان بن فائد العبسيّ، فقال لهم إبراهيم: وَيْحَكُم! انصرفوا، فوالله ما أحبّ أن يصاب أحد من مُضَر على يديّ، فلا تُهْلكوا أنفسكم، فأبوْا، فقاتلوه فهزمهم، واحتُمل حسَّان بن فائد إلى أهله، فمات حين أدخل إليهم، وقد كان وهو على فراشه قبل موته أفاقَ إفاقةً فقال: أما والله ما كنت أحبّ أن أعيشَ من جراحتي هذه، وما كنت أحبّ أن تكون منيَّتي إلّا بطعنةِ رمح، أو بضربةٍ بالسيف؛ فلم يتكلَّمِ بعدها كلمةً حتَّى مات، وجاءت البشرى إلى المختار من قبَل إبراهيم بهزيمة مضَر، فبعث المختار البشرَى من قِبَله إلى أحمر بن شُميط وإلى ابن كامل، فالنَّاس على أحوالهم كلّ أهل سكَّة منهم قد أغْنتْ ما يليها.
قال: فاجتمعت شِبَام وقد رأسو عليهم أبا القلوص، وقد أجمعوا واجتمعوا بأن يأتوا أهلَ اليمن من ورائهم، فقال بعضهم لبعض: أما والله لو جعلتم جِدَّكُم هذا على من خالفكم من غيركم لكان أصْوَب، فسيروا إلى مضرَ أو إلى ربيعة فقاتلوهم - وشيخُهم أبو القلوص ساكت لا يتكلَّم - فقالوا: يا أبا القلوص،