ما رأيك؟ فقال: قال الله جلّ ثناؤه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} قوموا؛ فقاموا، فمشى بهم قيس رمحين أو ثلاثة ثم قال لهم: اجلسوا فجلسوا، ثمّ مشى بهم أنفس من ذلك شيئًا، ثم قعد بهم، ثم قال لهم: قوموا، ثمّ مشى بهم الثالثة أنفس من ذلك شيئًا، ثمّ قعد بهم، فقالوا له: يا أبا القَلوص، والله إنك عندنا لأشجع العرب، فما يَحمِلك على الَّذي تصنع! قال: إنّ المجرّب ليس كمن لم يجرّب، إني أردت أن ترجع إليكم أفئدتكم، وأن توطّنوا على القتال أنفسكم، وكرهتُ أن أقْحِمكم على القتال، وأنتم على حالِ دَهَش؛ قالوا: أنت أبصَر بما صنعت.
فلمّا خرجوا إلى جبَّانة السَّبيعِ استقبلهم على فم السكَّة الأعسر الشاكريّ، فحمل عليه الجُندعيّ وأبو الزبير بن كريب فصرعاه، ودخلا الجبَّانة، ودخل الناسُ الجبَّانة في آثارهم، وهم ينادُون: يا لثَأرات الحسين! فأجابهم أصحابُ ابن شميط يا لثَأرات الحسين! فسمعها يزيدُ بن عمير بن ذي مُرَّان من هَمْدانَ فقال: يا لثَأرات عثمان! فقال لهم رفاعة بن شدّاد: ما لنا ولِعثمان! لا أقاتِل مع قوم يبغون دمَ عثمان، فقال له أناس من قومه: جئتَ بنا وأطعناك، حتَّى إذا رأينا قومَنا تأخذهم السيوف قلت: انصرِفوا ودَعُوهم! فعَطَف عليهم وهو يقول:
لأصلِينَّ اليوم فِيمَن يصْطَلِي ... بِحرِّ نارِ الحَرب غير مُؤتلِ
فقاتَل حتى قُتل، وقتل يزيد بن عُمير بن ذي مُرَّان، وقُتل النعمان بن صُهبْان الجرميّ ثمّ الراسبيّ - وكان ناسكًا - ورفاعة بن شدّاد بن عَوْسجة الفِتيانيّ عند حمَّام المسَهْبذان الّذي بالسَّبخة - وكان ناسكًا - وقتِل الفرات ابن زَحْر بن قيس الجُعْفيّ، وارتثّ زَحْر بن قيس، وقتِل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس، وقتل عمر بن مخنف، وقاتل عبدُ الرحمن بن مخنف حتَّى ارتُثّ، وحملتْه الرّجال على أيديها وما يَشعر، وقاتل حولَه رجالٌ من الأزْد، فقال حُمَيد بن مسلم:
لأضرِبَنَّ عن أبي حكيمِ ... مَفَارِق الأَعْبُد والصَّمِيمِ
وقال سُراقة بن مِرْداس البارقيّ:
يا نَفْسُ إلَّا تَصْبِري تُلِيمي ... لا تَتَولَّي عن أبي حكيمِ