خَرَجْنَا لا نَرَى الضعَفاءَ شيئًا ... وكان خُرُوجنا بَطرًا وحَيْنَا
نراهُمْ في مصافِّهم قليلًا ... وهم مثلُ الدَّبى حين التَقَينا
بَرزْنا إذ رأينَاهُمْ فلما ... رأَينا القومَ قد برزُوا إِلينا
لقِينَا منْهُمُ ضَرْبًا طِلَحْفًا ... وطَعنًا صائبًا حتَّى انثنَيْنَا
نصِرْتَ على عَدُوّك كُلَّ يومٍ ... بكلِّ كتِيبَةٍ تَنْعَى حُسَيْنَا
كنصْرِ مُحَمَّدٍ في يوم بَدْرٍ ... ويومِ الشِّعْبِ إذ لاقَى حُنَيْنَا
فأسْجحْ إذْ ملكْتَ فلو مَلكنا ... لجُرْنا في الحكومة واعتَدَينا
تقَبّلْ توبةً منّي فإنّي ... سأشكرُ إنْ جعلتَ النَّقْدَ دينا
قال: فلمَّا انتهى إلى المختار، قال له: أصلَحك الله أيها الأمير! سُراقةُ بن مِرداس يَحلف بالله الَّذي لا إله إلّا هو لقد رأى الملائكةَ تُقاتِل على الخيول البُلْق بين السماء والأرض؛ فقال له المختار: فاصعد المنبرَ فأعلِم ذلك المسلمين، فصَعِد فأخبرَهم بذلك ثمّ نزل، فخلا به المختار، فقال: إني قد علمت أنَّك لم تر الملائكة، وإنَّما أردتَ ما قد عرفتُ ألا أقتلك، فاذهب عني حيث أحببت، لا تُفْسدِ عليّ أصحابي (١). (٦/ ٥٤ - ٥٥).
قال أبو مخنف: فحدّثني الحجَّاج بن عليّ البارقي عن سراقة بن مرداس، قال: ما كنت في أيمان حلفت بها قطّ أشدّ اجتهادًا ولا مبالغةً في الكذب منِّي في أيماني هذه الَّتي حلفتُ لهم بها أني قد رأيت الملائكة معهم تُقاتل، فخلَّوا سبيله، فهرب، فلحق بعبد الرحمن بن مخنف عند المصعب بن الزبير بالبصرة، وخرج أشرافُ أهل الكوفة والوجوه، فلَحِقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة، وخرج سُراقة بن مرداس بن الكوفة وهو يقول:
ألَا أبلِغْ أبَا إسحاق أنّي ... رأيتُ البُلْقَ دُهْمًا مُصْمَتاتِ
كفَرْتُ بوحْيِكمْ وجعلت نَذْرًا ... عليَّ قِتالَكمْ حتَّى الممَاتِ
أرى عَيْنَيَّ ما لم تُبْصراهُ ... كلانا عالمٌ بالتُّرَّهاتِ
إذا قالوا أقول لهم كَذَبْتُمْ ... وإن خرجوا لبِسْتُ لهم أَداتي
حدّثني أبو السائب سَلم بن جُنادة، قال: حدّثنا محمَّد بن برّاد، من ولد
(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.