قال أبو مخنف: وحدّثني موسى بن عامر، قال: إنَّما كان هيَّج المختار على قتل عمرَ بن سعد أنّ يزيدَ بن شراحيلَ الأنصاريّ أتى محمَّد بن الحنفيَّة، فسلَّم عليه، فجرى الحديثُ إلى أن تذاكروا المختارَ وخروجَه وما يدعو إليه من الطلب بدماء أهل البيت، فقال محمَّد بن الحنفيَّة: على أهون رسله يزعم أنَّه لنا شيعة، وقتَلة الحسين جلساؤه على الكراسي يحدّثونه! قال: فوعاها الآخر منه، فلما قدم الكوفة أتاه فسلَّم عليه، فسأله المختار: هل لقيتَ المهديّ؟ فقال له: نعم، فقال: ما قال لك وما ذاكَرَك؟ قال: فخبّره الخبر، قال: فما لبَّث المختارُ عمرَ بن سعد وابنه أن قتلهما، ثمّ بعث برأسيهِما إلى ابن الحنفيّة مع الرسولين اللَّذَين سمَّينا، وكتب معهما إلى ابن الحنفيَّة:
بسم الله الرَّحمن الرّحيم، للمهدّي محمَّد بن عليّ من المختار بن أبي عُبَيد، سلام عليك يا أيُّها المهديّ، فإني أحمَد إليك الله الَّذي لا إله إلا هو، أمَّا بعد: فإن الله بَعثَني نِقمَةً على أعدائكم، فهم بين قتيل وأسير، وطريد وشريد، فالحمد لله الَّذي قتل قاتليكم ونصر مؤازِرِيكم.
وقد بعثتُ إليك برأس عمرَ بن سعد وابنه، وقد قتلنا من شَرَك في دم الحسين وأهل بيته - رحمةُ الله عليهم - كلّ من قَدَرْنا عليه، ولن يُعجز الله من بقي، ولست بمُنجم عنهم حتَّى لا يبلغني أنّ على أديم الأرضِ منهم أرمِيًّا.
فاكتب إليّ أيها المهديّ برأيك أتَّبعه وأكون عليه، والسلام عليك أيها المهديّ ورحمة الله وبركاته.
ثمّ إنّ المختار بعث عبدَ الله بن كامل إلى حكيم بن طُفَيل الطائيّ السنْبِسيّ - وقد كان أصاب صلب العبَّاس بن عليّ، ورَمَى حسينًا بسَهْم، فكان يقول: تعلَّق سهمي بسِرْباله وما ضرّه - فأتاه عبدُ الله بنُ كامل، فأخَذُه ثمّ أقبل به، وذهب أهلُه فاستغاثُوا بعديّ بن حاتم، فَلحِقهم في الطَّريق، فكلَّم عبد الله بن كامل فيه، فقال: ما إليّ من أمره شيء، إنَّما ذلك إلى الأمير المختار. قال: فإني آتيه؛ قال: فائْتِه راشدًا، فمضى عدىّ نحوَ المختار، وكان المختار قد شفَّعه في نفر من قومه أصابهم يومَ جَبَّانة السَّبيع، لم يكونوا نَطَقوا بشيء من أمر الحسين ولا أهل بيته، فقالت الشيعة لابن كامل: إنَّا نخاف أن يشفِّع الأمير عديّ بن حاتم في هذا الخبيث، وله من الذنب ما قد علمت، فدعْنا نقتُله، قال: شأنكم به، فلما