صادقة، فإنّ القومَ قد أطمَعوكم، وذلك بجَوْلتِهم التي جالوا، فحمِل عليهم حَمْلةً منكَرةً فولَّوا، وصبر ابنُ كامل في رجال من هَمدانَ، فأخذ المهلَّب يَسْمَع شِعارَ القوم: أنا الغلامُ الشاكرِيّ، أنا الغلام الشِّبامي، أنا الغلام الثَّورِيّ، فما كان إلا ساعةً حتَّى هُزِموا، وحمل عمرُ بن عبيد الله بن معمر على عبد الله بن أنس، فقاتل ساعة ثمّ انصرف، وحملَ الناسُ جميعًا على ابن شُمَيط، فقاتل حتَّى قُتِل، وتنادوا: يا معشَر بَجِيلة وخَثْعَم، الصَّبرَ الصبرَ! فناداهم المهلَّب: الفِرارَ الفِرارَ! اليوم أنجى لكم، علامَ تَقتُلون أنفسَكم مع هذه العِبْدان، أضَلّ الله سَعْيَكم، ثمَّ نظر إلى أصحابه فقال: والله ما أرى استِحرار القَتْل اليومَ إلّا في قومي، ومالت الخيلُ على رَجَّالة بنِ شُمَيطِ، فافترقتْ فانهزمتْ وأخذت الصَّحراء، فبَعث المصعبُ عبَّاد بن الحُصَين على الخيل، فقال: أيّما أسيرٍ أخذتَه فاضرِب عُنُقَه.
وسرّح محمَّد بن الأشعث في خيل عظيمة من خيلص أهلِ الكوفة مِمَّن كان المختار طرَدهُم، فقال: دُونَكم ثَأْركم! فكانوا حيث انهزموا أشدَّ عليهمْ مِن أهل البَصْرة، لا يُدركون منهزمًا إلّا قتَلوه، ولا يأخذون أسيرًا فيَعفُون عنه، قال: فلم يَنْج من ذلك الجيش إلّا طائفة من أصحاب الخيل؛ وأما رجَّالتُهم فأبيدوا إلا قليلًا (١). (٦/ ٩٤ - ٩٧).
قال أبو مخنف: حدّثني ابنُ عيَّاش المَنْتُوف، عن معاوية بن قُرّة المُزَنيّ، قال: انتهيتُ إلى رجل منهم، فأدخلتُ سنان الرمح في عينه، فأخذتُ أخضخض عينَه بسنان رُمْحي، فقلتُ له: وفعلتَ به هذا؟ ! قال: نعم: إنَّهم كانوا أحَلَّ عندَنا دِماءً من الترْك والدَّيلم؛ وكان معاويةُ بنُ قرّة قاضيًا لأهلِ البصْرة، ففي ذلك يقول الأعشَى:
أَلا هل أتَاكَ والأَنباءُ تُنْمَى ... بما لاقتْ بَجِيلةُ بالمَذَارِ
أُتِيحَ لهم بها ضَرْبٌ طِلَحْفٌ ... وطعْنٌ صائبٌ وجهَ النهارِ