للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقَرَّ العينَ صَرْعاهمْ وفَلٌّ ... لهمْ جَمٌّ يُقتَّل بالصَّحَارِ

وما إِنْ سَرَّني إِهلاكُ قومي ... وِإن كانوا وجدِّكَ في خيارِ

ولكنِّي سُررْتُ بما يُلَاقِي ... أَبو إسحاقَ مِنْ خزي وعارِ

وأقبل المصعبُ حتَّى قطع من تلقاءِ واسطَ القَصَب، ولم تكُ واسط هذه بُنيتْ حينئذ بعد، فأخذ في كَسْكر، ثمّ حَمَل الرجالَ وأثقالَهم وضُعفاءَ الناسِ في السفن، فأخذوا في نَهر يقال له: نهر خُرشاذ، ثمّ خرجوا من ذلك النهر إلى نهر يقال له قُوسان؛ ثمّ أخرَجهم من ذلك النَّهرِ إلى الفُرات (١). (٦/ ٩٧ - ٩٨).

قال أبو مخنَف: وحدّثني فُضَيل بن خَدِيج الكنديّ، أنّ أهلَ البصرة كانوا يخرُجون فيجُرّون سفنهم ويقولون:

عَوَّدَنا المصعبُ جَرَّ القَلْسِ ... والزُّنْبَرِيَّاتِ الطِّوَالِ القُعسِ

قال: فلمَّا بلغ مَن مع المختار من تلك الأعاجم ما لقيَ إخوانُهم مع ابن شُمَيط قالوا بالفارسيَّة: "ابنْ بَارْدُرُوغ كُفْت"؛ يقولون: هذه المرّة كذب (٢). (٦/ ٩٨).

قال أبو مخنف: وحدّثني هشامُ بنُ عبدِ الرّحمن الثقفيّ، عن عبدِ الرّحمن بن أبي عُمَير الثَّقفيّ، قال: والله إني لجالسٌ عند المختار حين أتاه هزيمةُ القومِ وما لَقوا، قال: فأصغَى إليّ، فقال: قتِلتْ والله العبيدُ قتلةً ما سمعتُ بمثلها قطّ، ثم قال: وقُتِلَ ابْنُ شُمَيط وابنُ كامل وفلانٌ وفلانٌ، فسمَّى رجالًا من العرب أصيبوا، كان الرّجل منهم في الحرب خيرًا من فِئام من الناس، قال: فقلتُ له: فهذه والله مصيبةٌ، فقال لي: ما من الموت بُدّ، وما من ميتة أموتها أحبّ إليّ من مثل ميتة ابن شُمَيط، حبَّذَا مَصارعُ الكرام! قال: فعلمتُ أنّ الرجل قد حدّت نفسَه إن لم يُصِبْ حاجتَه أن يُقاتِل حتَّى يموتَ.

ولما بلغ المختارَ أنَّهم قد أقبَلوا إليه في البَحْر، وعلى الظهْر، سار حتَّى نَزَل بهم السَّيْلحِين، ونظر إلى مُجْتَمَع الأنهار نهرِ الحِيرةَ ونهرِ السَّيلحِين ونهرِ القادسيَّة، ونهر يوسُف، فسكَر الفرات على مُجتمع الأنهار، فذهب ماءُ الفرات كلّه في هذه الأنهار، وبقيت سفنُ أهلِ البصرة في الطيّن، فلمَّا رأوْا ذلك خرجوا


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.
(٢) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>