لعَمْري ما كنتُ لأجْزُر الأزْد وتميمًا خَشية أهل الكوفة حتَّى أرى فُرْصتي، قال: وبعث المختارُ إلى عبدِ الله بن جَعْدَة أن احمِلْ على مَنْ بإزائك، فَحَمل على أهل العالية فكَشفهم حتَّى انتَهوْا إلى المُصْعب، فجثَا المُصْعب على رُكبَتيه - ولم يكن فرارًا - فرَمَى بأسهمه.
ونزل الناسُ عنده فقاتَلُوا ساعَةً، ثم تحاجَزوا. قال: وبَعثَ المصعب إلى المهلَّب وهو في خُمْسَين جامِّين كثيرَي العَدد والفُرْسان: لا أبالَك! مَا تنتظر أن تحمِل على القوم! فمَكَث غيرَ بعيد، ثمّ إنَّه قال لأصحابه: قد قاتل الناسُ منذ اليوم وأنتم وقوف، وقد أحسنوا، وقد بقِيَ ما عليكم، احملوا واستَعيِنوا بالله واصبروا، فحمل على مَنْ يَليهِ حملةً منكَرة، فحطموا أصحابَ المُختار حَطْمةً منكَرة، فكشَفوهم، وقال عبدُ الله بن عمر والنَّهديّ - وكان من أصحاب صفِّينَ اللَّهمَّ إني على ما كنتُ عليه ليلةَ الخَمِيس بصِفِّين، اللَّهمّ إني أبرأ إليك من فِعل هؤلاء لأصحابه حين انهزموا، وأبرأ إليك من أنفُس هؤلاء - يَعني أصحابَ الْمُصْعَب - ثم جالَد بسَيْفه حتى قُتِل، وأتى مالك بن عمرو أبو نِمْران النَّهديّ وهو على الرّجالة بفَرَسه فرَكِبه، وانقصَف أصحابُ المختار انقصافةً شديدة كأنَّهم أجمَةٌ فيها حريقٌ، فقال مالك حين ركب: ما أصنعُ بالرُّكوب! والله لأنْ أقتَل هاهنا أحبّ إليّ مِنْ أن أقتل في بيتي، أين أهلُ البصائر؟ أين أهلُ الصّبر؟ فثابَ إليه نحوٌ من خمسين رجلًا، وذلك عند المساء، فكَرّ على أصحاب محمَّد بن الأشْعَث، فقُتل محمَّد بنُ الأشعث إلى جانبه هو وعامَّة أصحابه، فبعض الناس يقول: هوَ قتل محمَّد بن الأشعث، ووُجد أبو نِمْرَان قتيلًا إلى جانبه - وكندة تزعم أن عبد الملك بن أشاءة الكندي هو الذي قتله - فلمَّا مرّ المختار في أصحابه على محمَّد بن الأشعث قتيلًا قال: يا معشرَ الأنصار، كُرّوا على الثَّعالب الرّوّاغة، فحملوا عليهم، فَقُتِل؛ فَخَثْعمُ تَزعم أن عبدَ الله بن قُراد هو الَّذِي قتَله (١). (٦/ ٩٨ - ١٠١).
قال أبو مخنف: وسمعتْ عوف بن عمرو الجشميّ يَزعُم أن مولىً لهم قتله فادّعى قتله أربعة نَفَر، كلّهم يَزعم أنه قتله، وانكَشَف أصحابُ سعيد بن مُنقِذ،