فقاتل في عصابة من قومه نحو من سبعين رجلًا فَقتِلوا، وقاتل سليم بن يزيد الكنديِّ في تسعين رجلًا مَن قومه، وغيرهم ضاربَ حتَّى قُتِل، وقَاتَلَ المختارُ على فمِ سِكة شَبَث، ونزَل وهو يريد ألّا يَبَرح، فقاتَلَ عامَّةَ ليلته حتَّى انصرف عنه القوم، وقُتِل معه ليلتئذ رجالٌ من أصحابه من أهل الحفاظ، منهم عاصمُ بن عبد الله الأزديّ، وعيّاش بن خازم الهَمْداني، ثمّ الثَّوريّ، وأحمرُ بن هديج الهَمْدانيّ ثمّ الفايشيّ (١). (٦/ ١٥١).
قال أبو مخنف: حدّثنا أبو الزّبير أنّ هَمْدان تنادَوا ليلتئذ:
يا معشرَ همْدان، سِيفُوهم فقاتِلوُهم أشدَّ القِتال؛ فلمَّا أن تفرّقوا عن المختار قال له أصحابهُ: أيها الأمير، قد ذهب القومُ فانصرف إلى مَنزلِك إلى القَصْرِ، فقال المختار: أما والله ما نزلتُ وأنا أريدُ أن آتي القَصْر، فأما إذ انصرَفَوا فاركبوا بنا على اسم الله، فجاء حتَّى دخل القَصْر فقال الأعشى في قَتْل محمَّد بن الأشعث:
تأوَّبَ عَيْنَكَ عُوَّارُهَا ... وَعادَ لِنفسكَ تَذَكارُهَا
وإحدى لَيالِيكَ راجَعْتَها ... أَرِقْتَ ولوَّمَ سُمَّارُها
وما ذَاقَتِ العينُ طَعْمَ الرُّقَا ... دِ حتَّى تَبلَّجَ إسفارُها
وقامَ نُعَاةُ أبي قَاسمٍ ... فأَسبل بالدمع تَحْدارُها
فحقُّ العيون على ابن الأَشَجِّ ... ألّا يُفَتَّرَ تَقطَارُها
وألَّا تَزالَ تُبكِّي له ... وتَبتلُّ بالدّمع أشفارُها
عليك محمّدُ لمّا ثَوَيْـ ... ـتَ تَبكِي البلادُ وأشجارُها
وما يَذْكُرونك إلَّا بَكوْا ... إذا ذِمَّة خانَها جارُها
وعاريةٍ من لَيالي الشِّتا ... ء لا يتمنَّحُ أيْسَارُها
ولا ينبحُ الكلبُ فيها العقو ... رَ إلا الهرِيرُ وتخْتَارُها
ولا ينفعُ الثوبُ فيها الفتى ... ولا رَبَّةَ الخِدْر تَخدَارُها
فأنتَ مُحَمَّد في مِثْلِها ... مُهينُ الجزائرِ نَحَّارها
تَظَلّ جِفانُكَ مَوْضوعة ... تَسِيلُ من الشَّحم أَصْبَارُها
(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.