للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكادان تَخُطَّان الأرضَ إذا رَكِب من طُوله، وكان أقتَل شيء للرجال وأهيَبَهُ عندهم إذا رأوه، فأخذ يحمل على أصحاب المختار فلا يثبتُ له رجل صَمَد صَمدَه، وبَصُرَ به المختار، فحمَل عليه فَضرَبه ضربةً على جَبهته فأطار جَبهته وقحفَ رأسِه، وخرَّ ميّتًا، ثمّ إنّ تلك الأمراء وتلك الرؤوس أقبَلوا من كلّ جانب، فلم تكن لأصحابه بهمْ طاقة، فدخلوا القصر، فكانوا فيه، فاشتدّ عليهم الحصار فقال لهم المختار: ويْحكم! إنّ الحصارَ لا يَزِيدكم إلّا ضَعْفًا، انزلوا بنا فُلْنقاتل حتَى نُقتلَ كرامًا إن نحن قُتِلنا، والله ما أنا بآيس إن صدقتموهم أن يَنصركم اللهُ، فضَعُفوا وعجِزوا، فقال لهم المختار؛ أمَّا أنا فوالله لا أعطِي بيَدي ولا أحكمَهم في نفسي، ولمَّا رأى عبدُ الله بنُ جعدةَ بنُ هُبَيرة بن أبي وَهْب ما يريد المختار تَدلَّى من القصر بحبْل، فَلِحق بأناس من إخوانه، فاختبأ عندهم، ثم إنّ المختار أزمَع بالخروج إلى القوم حين رأى من أصحابه الضعف، ورأى ما بأصحابه من الفشل، فأرسل إلى امرأته أمّ ثابت بنت سَمُرة بن جُندب الفَزاريّ، فأرسلتْ إليه بطيب كثير، فاغتسل وتحنّط، ثمّ وضع ذلك الطيب على رأسهِ ولِحيته، ثمّ خرج في تسعة عشرَ رجلًا؛ فيهم السائب بن مالك الأشعريّ - وكان خليفتَه على الكوفة إذا خرج إلى المَدائن - وكانتْ تحتَه عَمْرةُ بنتُ أبي موسى الأشعريّ، فولدت له غلامًا، فسّماه محمَّدًا، فكان مع أبيه في القصر، فلمَّا قُتل أبوه وأخِذ مَن في القصر وُجِد صبيًّا فتُرك، ولمَّا خرج المُختار من القصر قال للسَّائب: ماذا ترى؟ قال: الرّأيُ لك، فماذا ترى؟ قال: أنا أرَى أمِ الله يَرَى! قال: الله يرَى! قال: اللهُ يرَى، قال: وَيْحَك! أحمق أنت! إنَّما أنا رجل من العَرَب رأيتُ ابن الزّبير انتزَى على الحِجاز، ورأيتُ نَجْدَةَ انتزَى على اليمامة، ومروانَ على الشام، فلم أكن دونَ أحد من رِجال العرب، فأخذتُ هذه البلادَ، فكنتُ كأحدهم؛ إلّا أني قد طلبتُ بثأر أهلِ بيتِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذ نامتْ عنه العرب، فقتلتُ من شرَك في دِمائِهم، وبالغتُ في ذلك إلى يومي هذا، فقاتِلْ على حَسبك إن لم تكن لك نيَّة؛ فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، وما كنت أصنع أن أقاتل على حَسَبي! فقال المختار عند ذلك يتمثل بقولِ غَيْلان بن سَلَمة بن مُعتِّب الثَّقَفِيّ:

ولو يَرَاني أَبو غَيْلَانَ إِذ حَسَرَتْ ... عنِّي الهموم بأمرٍ ما له طبَقُ

لقالَ رُهْبًا ورُعْبًا يُجْمَعان معًا ... غنْمُ الحياةِ وهَولُ النفس والشَّفَقُ

إِما تُسِف على مَجْدٍ ومَكرُمَةٍ ... أو إِسوة لك فِيمَن تُهلِكُ الوَرَق

<<  <  ج: ص:  >  >>