للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرج في تسعةَ عشرَ رجلًا فقال لهم: أتؤمنوني وأخرُج إليكم؟ فقالوا: لا، إلا على الحكم، فقال: لا أحكّمكم في نفسي أبدًا، فضارب بسيفه حتى قُتِل، وقد كان قال لأصحابه حين أبَوْا أن يُتابعوه على الخُروج معه:

إذا أنا خرجتُ إليهم فقُتِلتُ لم تَزْدادوا إلا ضَعْفًا وذُلًا، فإنْ نزلتم على حكمهم وثَب أعداؤكم الذين قد وَتَرْتموهم، فقال كل رجل منهم لبعضكم: هذا عندَه ثأرِي فيُقتل، وبعضُكم يَنظُر إلى مَصَارع بعض فيقولون: يا لَيْتنا أطَعْنا المختار وعَمِلنا برأيه! ولو أنكم خرجتم معي كنتم إن أخطأتُم الظفَر متّم كِرامًا، وإن هرب منكم هاربٌ فدخل في عشيرته اشتملتْ عليه عشيرتُه؛ أنتم غدًا هذه الساعةَ أذلّ من على ظَهْر الأرض، فكان كما قال.

قال: وزَعَم الناسُ أنّ المختار قُتِل عند موضع الزّيّاتِين اليومَ، قتله رجلان من بني حَنِيفة أخَوان يُدعَى أحدُهما طَرَفةَ والآخر طرَّافًا؛ ابنا عبد الله بن دَجاجة من بني حَنِيفة، ولَمّا كان من الغد من قتل المختار قال بُجَير بنُ عبد الله المُسْليِّ: يا قوم، قد كان صاحبكم أمسِ أشار عليكم بالرأي لو أطعتموه، يا قوم، إنكم إن نزلتمْ على حُكم القوم ذُبِحتم كما تُذبَح الغنمُ، اخرُجوا بأسيافكم فقاتلوا حتى تموتوا كِرامًا، فعصَوْه وقالوا: لقد أمرنا بهذا من كان أطوع عندنا وأنصح لنا منك، فعصيناه، أفنحن نُطِيعك! فأمكن القوم من أنفسهم، ونزلوا على الحُكْم، فبعث إليهم مصعبٌ عبّاد بنَ الحُصَين الحَبَطيّ فكان هو يُخرِجهم مكتَّفين، وأوصَى عبد الله بن شدّاد الجُشَميّ إلى عبّاد بن الحُصَين، وطلب عبد الله بن قُراد عصًا أو حديدة أو شيئًا يقاتل به فلم يَجِده، وذلك أنّ الندامة أدركتْه بعدما دخلوا عليه، فأخذُوا سيفَه وأخرَجوه مكتوفًا، فمرّ به عبدُ الرحمن وهو يقول:

ما كنتُ أخشَى أن أُرَى أَسِيرا ... إنَّ الذين خالَفُوا الأَمِيرَا

قد رُغِّموا ... وتُبِّرُوا تَتْبِيرَا

فقال عبدُ الرّحمن بن محمد بن الأشعث: عليّ بذا، قدّموه إليّ أضرِب عنقَه، فقال له: أما إني على دين جَدّك الذي آمن ثمّ كفر؛ إنْ لم أكن ضربت أباك بسَيْفي حتى فاظَ، فنزل ثم قال: أدنُوه مني، فأدَنوْه منه، فقتله، فغضِب عبّاد، فقال: قتلتَه ولم تُؤمَر بقَتله!

<<  <  ج: ص:  >  >>