ومرّ بعبد الله بنِ شدّاد الجُشميّ وكان شريفًا، فطلب عبدُ الرحمن إلى عبّاد أن يَحبِسه حتى يكلّم فيه الأمير، فأتى مُصعبًا، فقال: إني أحِبّ أن تَدفَع إليّ عبدَ الله بن شدّاد فأقتلَه، فإنه من الثأر، فأمر له به، فلما جاءه أخذه فضرب عنقَه، فكان عبّاد يقول: أما والله لو علمتُ أنك إنما تريد قتلَه لدفعتُه إلى غَيرِك فقتله، ولكني حسبتُ أنك تكلمه فيه فتخلّي سبيلَه. وأتيَ بابن عبد الله بنِ شدّاد، وإذا اسمهُ شدّاد، وهو رجلٌ محتلِم، وقد اطّلَي بنُورة، فقال: اكشفوا عنه هل أدرَك! فقالوا: لا، إنما هو غلام، فخلوا سبيلَه، وكان الأسوَد بنُ سعيد قد طلب إلى مُصعَب أن يعرِض على أخيه الأمان، فإنْ نزَل تركَه له، فأتاه فعرض عليه الأمان، فأبى أن ينزل، وقال: أموتُ مع أصحابي أحبّ إليّ من حياة معكم، وكان يقال له قيس، فأخرِج فقتِل فيمن قُتِل؛ وقال بُجير بن عبدِ الله المُسْلِيّ - ويقال: كان مولىً لهم حين أتِيَ به مصعب ومعه منهم ناسٌ كثير - فقال له المسلِيّ: الحمد لله الذِي ابتلانا بالإسار، وابتلاك بأن تعفو عنا، وهما مَنزِلتان إحداهما رِضَا الله، والأخرَى سخطه، من عَفَا عَفَا اللهُ عنه. وزادَه عزًّا، ومن عاقَبَ لم يأمَن القصاص، يابنَ الزّبير، نحن أهلُ قِبْلَتكم، وعلى مِلّتكم، ولسنا تُرْكًا ولا دَيْلمًا، فإن خالفْنا إخوانَنَا من أهل مِصرِنا فإما أن نكون أصبْنا وأخطؤوا، وإما أن نكون أخطأنا وأصابوا فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم، فقد اختلفوا واقتتلوا ثمّ اجتمعوا، وكما اقتتل أهلُ البَصْرة بينهم فقد اختلفوا واقْتَتلوا ثمّ اصطلَحوا واجتمعوا، وقد ملكتم فأسجِحوا، وقد قَدرْتم فاعْفُوا، فما زال بهذا القَوْل ونحوه حتى رَقَّ لهم الناسُ، ورَقَّ لهم مصعب، وأراد أن يخلّيَ سبيلَهم، فقام عبدُ الرحمن بنُ محمد بن الأشعث فقال: تُخلّى سبيلهم! اختَرنا يا بن الزبير أو اخترهم، ووثب محمد بن عبد الرّحمن بن سعيد بن قَيْس الهَمْدانيّ فقال: قُتِل أبي وخَمسمئة من هَمْدان وأشراف العشيرة وأهل المصر ثم تُخلّى سبيلَهم، ودماؤنا تَرقرَق في أجوافهم! اختَرْنا أو اخترْهم، ووَثَب كلّ قوم وأهل بيت كان أصيبَ منهم رجل فقالوا نحوًا من هذا القول.
فلما رأى مُصعبُ بنُ الزبير ذلك أمَرَ بقَتْلهم، فنادَوه بأجمَعِهم: يا بن الزّبير، لا تقتُلنا، اجعَلْنا مقدّمتَك إلى أهل الشام غدًا، فوالله ما بك ولا بأصحابك عنّا غدًا غِنًى إذا لقيتم عدوَّكم فإن قتِلنا لم نُقتل حتّى نرقهم لكم، وإن ظَفِرْنا بهم كان