للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخْرَجها بين الحِيرة والكُوفة بعد العَتَمة، فَضرَبها مَطَرٌ ثلاثَ ضرَبات بالسيف - ومطَرٌ تابعٌ لآل قَفَل من بني تَيْم الله بنِ ثَعْلبة، كان يكون مع الشُّرَط - فقالت: يا أبتاه، يا أهلاه، يا عَشِيرتاه! فسمِع بها بعضُ الأنصار، وهو أبان بنُ النعمان بن بشير، فأتاه فلطمه وقال له: يا بن الزّانية، قطعتَ نفسها قطع اللهُ يَمينَك! فَلزِمه حتى رفعه إلى مصعب، فقال: إنّ أمي مسلمة، وادّعى شهادة بني قَفَل، فلم يشهَد له أحد؛ فقال مصعب: خلّوا سبيلَ الفتى فإنه رأى أمرًا فظيعًا، فقال عمرُ بن أبي ربيعة القُرَشيّ في قتل مصعب عَمْرَةَ بنتَ النعمان بن بشير:

إنَّ من أعْجَبِ العجائبِ عِندِي ... قَتْلَ بَيْضَاءَ حُرَّةٍ عُطْبولِ

قُتِلَتْ هكذا على غيرِ جُرْمِ ... إنَّ لله دَرَّها من قَتيلِ

كُتِبَ القَتلُ والقِتَالُ علينا ... وعلى المحْصنَاتِ جَرُّ الذُّيولِ (١)

(٦/ ١١٢).

قال أبو مخنف: حدثني محمد بنُ يوسفَ، أنّ مصعبًا لقِي عبدَ الله بن عمر فسلّم عليه، وقال له: أنا ابنُ أخيك مصعب، فقال له ابنُ عمر: نعم، أنتَ القاتلُ سبعةَ آلاف من أهل القبلة في غَداة واحدة! عِشْ ما استطعتَ! فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة سَحَرة؛ فقال ابنُ عمر: والله لو قتلت عدَّتهم غَنَمًا من تُراثِ أبيك، لكان ذلك سَرَفًا، فقال سعيد بن عبدِ الرّحمن بن حسّان بن ثابت في ذلك:

أتى راكبٌ بالأَمر ذي النبَأ العجِبْ ... بقتل ابنَة النعمان ذِي الدِّين والحَسَبْ

بقتل فَتَاةٍ ذاتِ دلٍّ سَتِيرَةٍ ... مُهَذَّبة الأخلاق والخِيم والنسَبْ

مطهَّرةٍ من نَسْل قوم أَكارِمٍ ... من المُؤْثِرِين الخير في سالفِ الحِقَب

خليلُ النبيِّ المصطفَى ونَصِيرُهُ ... وصاحبُه في الحَرْب والنكْبِ والكُرَب

أتانِي بأنَّ المُلْحِدِين تَوَافَقُوا ... على قَتلِها لا جُنِّبُوا القتلَ والسَّلَبْ

فلا هَنَأَتْ آلَ الزبير معيشةٌ ... وذاقُوا لباسَ الذُّلِّ والخوفِ والحَرَبْ

كأنَّهمُ إذ أَبرَزُوها وقُطِّعتْ ... بأسيافِهمْ فازُوا بِمَملكة العَرَبْ

ألم تَعَجبِ الأَقوامُ من قَتلِ حرَّةٍ ... من المُحْصَنات الدّين محمودةِ الأَدبْ!


(١) في إسنادها لوط بن يحيى التالف الهالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>