الحارثُ بن أبي ربيعة أقصاه، ثم أقرَّه بعد ذلك على عَملِه السَّنة الثانية، فلمَّا قَدِمت الخوارجُ المدائِنَ سرَّحوا إليه عصابةً منهم، عليها صالحُ بنُ مِخراق، فلقِيَه بالكرخ فقاتَله ساعةً، ثم تَنازَلوا فنَزل أبو بكر ونزَلت الخَوارج، فقُتل أبو بكر ويَسار مولاه وعبدُ الرّحمن بنُ أبي جِعال، ورجل من قومه، وانْهَزَم سائرُ أصحابه، فقال سُرَاقَةُ بنُ مِرْداس البارقيّ في بطنٍ مِنَ الأزْد:
ألا يا لقَومي للهُمومِ الطَّوارِق ... وللحَدَث الجائي بإِحدَى الصَّفائِق
ومَقْتَل غِطْريفٍ كريمٍ نِجارُهُ ... من المُقْدِمين الذّائدِين الأَصادِقِ
أَتاني دُوَيْن الخَيْف قتلُ ابن مِخنَفٍ ... وقد غَوَّرَتْ أولى النُّجوم الخَوافِقِ
لحا الله قومًا عَرَّدُوا عنكَ بُكرةً ... ولم يَصبرُوا للّامِعاتِ البَوارقِ
تولَّوْا فأَجْلَوا بالضُّحَى عن زَعِيمِنا ... وسَيِّدِنا في المأْزِقِ المُتَضايق
فأَنت مَتى ما جِئتَنا في بُيوتنَا ... سمِعْتَ عَويلًا مِنْ عَوانٍ وعَاتِقِ
يُبَكِّينَ محمودَ الضَّرِيبة ماجدًا ... صبورًا لدى الهَيجاءِ عندَ الحقائق
لقد أصبَحتْ نفسِي لذاكَ حَزِينةً ... وشابتْ لِمَا حمّلتُ منه مفارقي (١)
(٦/ ١٢٢ - ١٢٣)
قال أبو مِخنفَ: فحدّثني حَدْرة بن عبدِ الله الأزْديّ، والنَّضر بنُ صالح العَبْسيّ، وفضيل بن خَديج، كلهم أخبرنيه أن الحارث بن أبي ربيعة [الملقب بالقُباع] أتاه أهلُ الكوفة، فصاحوا إليه وقالوا له: اخرُج فإنّ هذا عدوّ لنا قد أظَلّ علينا ليست له تقيَّة، فخرج وهو يكدّ كدًّا حتَّى نزل النُّخيلة فأقَامَ بها أيَّامًا، فَوَثب إليه إبراهيمُ بنُ الأشتر، فحَمِد الله وأثنَى عليه ثمّ قال: أمَّا بعد، فإنَّه سار إلينا عدوّ ليست له تقيَّة يَقتل الرجل والمرأة والمولود، ويُخِيف السَّبيل، ويُخرّب البلادَ، فانْهض بنا إليه، فَاؤْمُر بالرّحيل، فخرَج فنزل دَير عبدِ الرحمن، فأقام فيه حتَّى دخل إليه شَبَث بن رِبْعيّ، فكلَّمه بنحو ممَّا كلَّمه به ابنُ الأشتر، فارتحل ولم يكدّ، فلمَّا رأى الناسُ بُطْء سَيْره رَجزوا به فقالوا:
سَار بنا القُبَاعُ سَيْرًا نُكْرَا ... يَسِيرُ يومًا ويُقِيمُ شَهْرَا