فلمَّا طال ذلك على الخوارج من قوله كَمن له رجل من الخَوارج يظنون أنَّه عبَيدة بن هلال، فخرج ذات يوم فصنع كما كان يصنع، ويقول كما كان يقول: إذ حَمَل عليه عبَيدة بنُ هلال فضرَبه بالسيف ضربة على حبل عاتقِه فصرعه، وحَمَل أصحابُه عليه فاحتملوه فأدخَلوه وداوَوْه، وأخذَت الأزارقةُ بعد ذلك تُناديهم يقولون: يا أعداءَ الله، ما فَعَل أبو هُرَيرة الهرّار؟ فينادونهم: يا أعداء الله، والله ما عليه من بأس، ولم يلَبَث أبو هُريرة أن بَرِئَ، ثمّ خرج عليهم بعدُ، فأخذوا يقولون: يا عدوَّ الله، أما والله لقد رجونا أن نكون قد أزَرْناكَ أمَّك؛ فقال لهم: يا فسَّاق، ما ذكركم أميّ! فأخذوا يقولون: إنه ليغضب لأمّه وهو آتيها عاجلًا، فقال له أصحابُه: وَيْحك! إنَّما يَعنُون النَّارَ، فَفطِن فقال: يا أعداء الله، ما أعقَّكم بأمّكم حين تنتفون منها! إنَّما تلك أمكم، وإليها مَصيرُكم.
ثمّ إنّ الخوارجَ أقامت عليهم أشهرًا حتى هلك كُراعُهم، ونفِدَت أطعمتُهم، واشتدّ عليهم الحِصار، وأصابهم الجَهْد الشديد، فدعاهم عتَّاب بنُ ورقاء فحَمِد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمَّا بعد أيَّها الناس، فإنه قد أصابكم من الجُهَد ما قد تَرَون، فوالله إن بقي إلا أن يموتَ أحدُكم على فِراشه فيجئَ أخوه فيَدِفنه إن استطاع؛ وبالحَري أن يَضعُف عن ذلك، ثمّ يموت هو فلا يجد من يَدفنه، ولا يصلّي عليه، فاتَّقوا الله، فو الله ما أنتم بالقليلِ الَّذين تهُون شوكتُهم على عدوّهم، وإنّ فيكم لَفُرسانُ أهلى المِصْر، وإنَّكم لصُلحاءُ، من أنتم منه! اخرجوا بنا إلى هؤلاء القوم وبكم حيَاة وقوَّة قبلَ ألّا يستطيع رجل منكم أن يمشي إلى عدوّه من الجَهْد، وقبلَ أَلّا يستطيعَ رجلٌ أن يمتنع من امرأة لو جاءته، فقَاتلَ رجل عن نفسه وصبر وصدق، فوالله إني لأرجو إنْ صَدقتموه أن يُظفركم الله بهم، وأن يُظهِركم عليهم، فناداه الناسُ من كل جانب: وُفِّقتَ وأصبتَ، اخرُج بنا إليهم، فجمع إليه الناس من الليل، فأمرَ لهم بعَشاء كثير، فعَشِيَ الناسُ عنده؛ ثم إنَّه خرج بهم حين أصبح على راياتهم، فصبَّحهم في عسكرهم وهم آمِنون من أن يُؤتوا في عسكرهم، فشَدّوا عليهم في جانبه، فضارَبوهم فأخلوا عن وجه العسكر حتَّى انتَهوا إلى الزّبير بن الماحوز، فنزل في عِصابة من أصحابه فقاتَل حتى قُتِلَ، وانحازت الأزارقةُ إلى قَطَريّ، فبايعوه، وجاء عَتَّاب حتَّى دخل مدينتَه، وقد أصاب من عسكرهم ما شاء، وجاء قَطريّ في أثره كأنه يريد أن