لك أن أجمعَك في جامعة، فقال له بنو مَرْوان: ثمّ تُطلِقه يا أمير المؤمنين؟ قال: ثمّ أطلِقه، وما عسيتُ أن أصنَع بأبي أميَّة! فقال بنو مَرْوان: أبِرّ قَسم أميرِ المؤمنين، فقال عمرو: قد أبرّ الله قسمك يا أمير المؤمنين، فأخرج من تحت فراشِه جامعةً فطرحها إليه، ثمّ قال: يا غلام، قم فاجمعْه فيها؛ فقام الغلام فجَمعَه فيها، فقال عمرو: أذكّرك الله يا أميرَ المؤمنين أن تُخرِجني فيها على رؤوس الناس! فقال عبدُ الملك: أمَكرًا أبا أميَّة عند الموت! لا ها الله إذًا! ما كنَّا لنُخرجَك في جامعة على رؤوس الناس، ولمَا نخرجها منك إلا صُعدًا.
ثمّ اجتبذه اجتباذةً أصاب فمَه السريرُ فكَسَر ثَنِيَّته، فقال عمرو: أذكِّرك الله يا أمير المؤمنين أن يدعوك إلى كسر عَظم منّي أن تركب ما هو أعظم من ذلك، فقال له عبدُ الملك: والله لو أعلم أنك تُبْقي عليّ إن أبقِي عليك وتصلح قريش لأطلقتُك، ولكن ما اجتمع رجلان قطّ في بَلدة على مثل ما نحن عليه إلّا أخرج أحدُهما صاحبه، فلمَّا رأى عمرو أنّ ثنيَّته قد اندقَّت وعرف الَّذي يريد عبد الملك، قال: أغدْرًا يا بن الزّرقاء!
وقيل: إنّ عبد الملك لمَّا جَذب عمرًا فسقطتْ ثَنيَّته جعل عَمروٌ يمسّها، فقال عبدُ الملك له: أرى ثنيَّتَك قد وقعتْ منك موقِعًا لا تطيب نفسُك بعدَها، فأمر به فضُربَ عنقه (١). (٦/ ١٤١ - ١٤٤).
رجع الحديث إلى حديثِ عَوانة، وأذّن المؤذّنُ العصرَ، فخرج عبدُ الملك يصلِّي بالناس، وأمر عبدَ العزيز بن مروان أن يقتله، فقام إليه عبدُ العزيز بالسَّيف، فقال له عمرو: أذكِّركُ اللهَ والرّحِمَ أن تليَ أنتَ قَتْلي، وليتولّ ذلك مَنْ هو أبْعَد رحِمًا منك! فألقى عبد العزيز السيفَ وجلس، وصلى عبدُ الملك صلاةً خفيفة، ودخل، وغُلّقت الأبواب ورأى الناسُ عبدَ الملك حيث خرج وليس عمروٌ معه، فذَكروا ذلك ليحيى بن سعيد فأقبَل في النَّاس حتَّى حَلَّ بباب عبد الملك ومعه ألفُ عبد لعمرو، وأناس بعدُ من أصحابه كتير، فجعل من كان معه يصيحون: أسمِعْنا صوْتَك يا أبا أميَّة! وأقبل مع يحيى بن سعيد حُمَيد بن حُرَيث وزُهَير بن الأبْرد فكسروا بابَ المقصورة، وضربوا الناسَ بالسيوف،
(١) في إسنادها هشام بن محمد بن السائب الكلبي الكذاب.