قال هشام: فحدّثنا عَوانة أنّ الَّذي كان بين عبد الملك وعمرو كانَ شرًّا قديمًا، وكان ابنَا سعيد أمُّهما أمّ البنين، وكان عبدُ الملك ومعاويةُ ابني مَرْوان، فكانوا وهم غِلْمان لا يزالون يأتون أمَّ مَرْوان بن الحَكم الكنانيَّة يتحدّثون عندها، فكان ينطلق مع عبدِ الملك ومعاوية غلام لهم أسوَد، وكانت أمّ مروانَ إذا أتَوْها هيَّأتْ لهم طعامًا، ثمّ تأتيهم به فتضِع بين يديْ كلّ رجل صَحفةً على حدَة، وكانت لا تزال تؤرّش بين معاوية بن مروان، ومحمَّد بن سعيد، وبين عبد الملك وعمرو بن سعيد، فيَقتتِلون ويتصارمون الحين، لا يكلِّم بعضُهم بعضًا، وكانت تقول: إن لم يكن عند هذين عقل فعند هذين، فكان ذلك دأبها كلَّما أتَوْها حتَّى أثبتت الشَّحْناء في صدورهم.
وذكر أنّ عبدَ الله بن يزيد القَسْريّ أبا خالد كان مع يحيى بن سعيد حيث دخل المسجد فكسر بابَ المقصورة، فقاتل بني مَرْوان، فلمَّا قتِل عمرو وأخرج رأسه إلى النَّاس رَكب عبدُ الله وأخوه خالد فَلحِقوا بالعراق، فأقام مع وُلد سعيد وهم مع مُصعَب حتَّى اجتمعت الجماعة على عبد الملك، وقد كانت عين عبد الله بن يزيد فُقِئت يوم المَرْج، وكان مع ابن الزبير يُقاتِل بني أميَّة، وإنه دخل على عبد الملك بعد الجماعة، فقال: كيف أنتم آلَ يزيدَ؟ فقال عبد الله: حُرباء حُرباء، فقال عبد الملك: ذلك بما قدّمتْ أيديكم، وما اللهُ بظلَّام للعَبِيد (١). (٦/ ١٤٧).
قال هِشام بن عوانة: إنّ وُلد عمرو بن سعيد دَخَلوا على عبد الملك بعد الجماعة وهم أربعة: أميَّة، - وسعيد، وإسماعيل، ومحمَّد، فلمَّا نظر إليهم عبدُ الملك قال لهم: إنَكم أهل بَيْت لم تزالوا تَرَوْن لكم على جميع قومِكم فَضْلًا لم يَجعَلْه الله لكم، وإنّ الَّذي كان بيني وبين أبيكم لم يكن حديثًا، بل كان قديمًا في أنفسُ أوّليكم على أوّلينا في الجاهلتة.
فأقطع بأميَّة بن عمرو - وكان أكبرهم - فلم يقدر أن يتكلَّم، وكان أنبلَهم وأعقلَهم، فقام سعيدُ بن عمرو وكان الأوسطَ فقال: يا أميرَ المؤمنين، ما تَنعى علينا أمرًا كان في الجاهليَّة، وقد جاء الله بالإسلام فَهَدم ذلك، فوعَدنا جنَّة،