إنَّ الأُلَى بالطَّف من آل هاشِمٍ ... تأسَّوْا فسَنُّوا للكرَام التأسِّيَا
قال: فعلمتُ أنه لا يَرِيمُ حتَّى يُقتَل، وكان عبدُ الملك - فيما ذكر محمَّد بنُ عمر عن عبد الله بن محمَّد بن عبد الله بن أبي قرّة، عن إسحاقَ بن عبد الله بن أبي فَرْوة، عن رَجاء بن حَيْوَة - قال: لمَّا قتَل عمرو بن سعيد وضع السيف فقتل من خالفه، فلمَّا أجمع بالمسير إلى مُصعب وقد صفت له الشام وأهلها خَطَب الناسَ وأمرهم بالتهُّيؤ إلى مصعب، فاختلف عليه رؤساء أهل الشام من غير خلاف لما يريده، ولكنهم أحَبُّوا أن يقيمَ ويقدّم الجيوش، فإن ظفروا فذاك، وإن لم يظفروا أمدَّهم بالجيوش خشيةً على الناس إن أصِيب في لقائه مصعبًا لم يكن وراءه ملك، فقالوا: يا أميرَ المؤمنين، لو أقمتَ مكانَك وبعثتَ على هؤلاء الجيوش رجلًا من أهل بيتك، ثمّ سرّحتَه إلى مصعب! فقال عبدُ الملك: إنَّه لا يقوم بهذا الأمر إلّا قرشيّ له رأي، ولعلِّي أبعث من له شجاعة ولا رأي له، وإني أجد في نفسي أني بصيرٌ بالحرب، شجاعٌ بالسَّيف إنْ ألجِئتُ إلى ذلك، ومصعب في بيت شجاعة، أبوه أشجع قريش، وهو شجاع ولا علم له بالحرب، يُحبّ الخفض، ومعه من يُخالفه، ومعي من ينصح لي، فسار عبد الملك حتَّى نزل مَسْكِن، وسار مصعب إلى باجُمَيْرَا، وكتب عبدُ الملك إلى شيعته من أهل العراق، فأقبل إبراهيم بنُ الأشتر بكتاب عبد الملك مختومًا لم يقرأه، فدفعه إلى مصعب، فقال: ما فيه؟ فقال: ما قرأته، فقرأه مصعب فإذا هو يدعوه إلى نفسه، ويجعل له ولاية العراق، فقال لمصعب: إنَّه والله ما كان من أحد آيس منه مني، ولقد كتب إلى أصحابك كلّهم بمثل الّذي كتب إليّ، فأطعْني فيهم فاضربْ أعناقهم، قال: إذًا لا تُناصحُنا عشائرُهم.
قال: فأوقرْهم حديدًا وابعث بهم إلى أبيض كسرَى فأحبسْهم هنالك.
ووكِّل بهم من إن غُلِبْتَ ضرب أعناقهم، وإن غَلبت مَننتَ بهم على عشائرهم، فقال: يا أبا النعمان، إني لَفي شغل عن ذلك، يرحَم اللهُ أبا بَحْر، إنْ كان ليَحذّرني غدرَ أهل العراق، كأنَّه كان يَنظُر إلى ما نحن فيه! (٦/ ١٥٤ - ١٥٧).
وقال الهيثم بنُ عَدِيّ: حدّثنا عبدُ الله بنُ عَيَّاش، عن أبيه، قال: إنَّا لوُقُوفٌ مع عبد الملك بن مروان وهو يُحارب مصعبًا إذْ دنا زِياد بن عمرو، فقال: يا أمير