المؤمنين، إنّ إسماعيلَ بن طَلْحة كان لي جارَ صدق، قَلَّما أرادَني مُصَعب بسوء إلا دَفَعهُ عني، فإن رأيتَ أن تؤمّنَه على جرمه قال: هو آمن. فمضى زياد - وكان ضخمًا على ضَخم - حتَى صار بين الصفَّين، فصاح: أين أبو البخْتَري إسماعيلُ بن طَلْحة؟ فخرج إليه، فقال: إني أريد أن أذكر لك شيئًا، فَدنا حتَّى اختلفت أعناقُ دوابِّهما - وكان الناس ينتَطقون بالحَواشي المحشوّة - فوَضَع زياد يده في منطقَة إسماعيلَ، ثمّ اقتلَعه عن سَرْجه - وكان نَحيفًا - فقال: أنشدك الله يا أبا المغيرة، إنّ هذا ليس بالوفاء لمصعب، فقال: هذا أحبّ إليّ من أن أراك غَدًا مقتولًا.
ولمَّا أبى مصعب قبول الأمان نادى محمَّد بنُ مروان عيسى بن مصعب وقال له: يا بن أخي، لا تقتل نفسك، لك الأمان، فقال له مُصعب: قد آمَنَك عَمُّك فامض إليه، قال: لا تتحدّث نساءُ قريش أني أسْلَمتك للقتل؛ قال: فتقدّم بين يديَّ أحتَسِبْك، فقاتل بين يديه حتَّى قتل، وأثخِن مصعب بالرّمْي، ونظر إليه زائدة بن قدامةَ فشَدّ عليه فطعنه، وقال: يا لثأرات المختار! فصرعه، ونزل إليه عُبيد الله بنُ زياد بنِ ظَبْيانَ، فاحتزّ رأسَه، وقال: إنَّه قتَل أخي النابيء بن زياد، فأتِيَ به عبد الملك بن مروان فأثابَه ألف دينار، فأبَى أن يأخذها. وقال: إني لم أقتله على طاعتك، إنما قتلتُه على وِتْرٍ صنَعه بي، ولا آخذُ في حَمْل رأس مالًا، فتركه عند عبد الملك. (٦/ ١٥٩).
وكان الوِتْر الذي ذكَرَه عُبيدُ الله بن زياد بن ظبيان أنه قتل عليه مصعبًا أنّ مصعبًا كان وَلي في بعضِ ولايته شرطه مطرّف بن سيدان الباهليّ ثم أحد بني جَأوة.
فحدّثني عمرُ بنُ شَبَّة، قال: حدّثني أبو الحسن المَدائني ومَخلدَ بنُ يحيى بن حاضر، أنّ مطرّفًا أتِيَ بالنابيء بن زياد بن ظَبْيان ورجل من بني نُمَير قد قطعا الطريق، فقتل النابيء، وضرب النميريّ بالسياط فترَكه، فجمع له عبيدُ الله بنُ زياد بن ظَبيان جَمْعًا بعد أن عزله مُصعب عن البصرة وولّاه الأهواز، فخرج يريده، فالتقَيَا فَتوافَقا وبينهما نهر، فعبر مطرف إليه النَّهرَ، وعاجَله ابنُ ظَبْيان فطعَنه فقتَله، فبعث مصعبٌ مكرم بن مطرّف في طَلَب ابن ظبْيانَ، فسار حتَّى بلغ عسكرَ مُكرَم، فنُسِب إليه، ولم يلق ابنَ ظَبْيان، ولحق ابن ظَبْيان بعبد الملك