والفساد في الأرض، فقمتُ إليه فقلت: يا أميرَ المؤمنين، كيف تَرَى في السيرة في هؤلاء الظلَمة؟ أنقتلهم قبل الدّعاء، أم ندعوهم قبلَ القتال؟ وسأخبرك برأي فيهم قبل أن تُخبرَني فيهم برأيك؛ أمّا أنا فأرَى أن لقتُل كلّ من لا يرى رأيَنا قريبًا كان أو بعيدًا، فإنا نخرج على قوم غاوين طاغين باغِين قد تركوا أمر الله، واستحوذ عليهم الشيطان، فقال: لا بل ندعوهم، فلعمْري لا يُجيبك إلّا من يرى رأيك وليقاتِلنَّك مَنْ يزرِي عليك، والدعاءُ أقطع لحجَّتِهم، وأبلغ في الحجة عليهم، قال: فقلت له: فكيف ترى فيمن قاتَلَنا فظفرْنا به؟ ما تقول في دِمائهم وأموالهم؟ فقال: إن قتلنا وغنمنا فلنا، وإن تجاوزنا وعفونا فموسَع علينا ولنا، قال: فأحسن القول وأصابَ، رحمة الله عليه وعلينا (١)(٦/ ٢١٩).
قال أبو مخنف: فحدّثني رجلٌ من بني محلّم أنّ صالحَ بنَ مسرح قال لأصحابه ليلَة خرج: اتَّقوا الله عبادَ الله، ولا تعجلوا إلى قتال أحد من الناس إلّا أن يكونوا قومًا يريدونكم، وينصِبون لكم، فإنكم إنَّما خرجتم غَضبًا لله حيث انتُهكتْ محارمه، وعُصِي في الأرض، فسُفكت الدماء بغير حِلِّها، وأخِذتْ الأموال بغير حقّها، فلا تَعيبوا على قوم أعمالًا ثمّ تعملوا بها، فإن كلّ ما أنتم عاملون أنتم عنه مسؤولون، وإنّ عُظْمَكم رجّالة، وهذه دوابّ لمحمّد بن مروان في هذا الرُّسْتاق، فابدَؤوا بها، فشُدّوا عليها، فاحمِلوا أراجِلَكم، وتقوّوا بها على عدُوّكم.
فخرجوا فأخذوا تلك الليلة الدوابّ فحَمَلوا رَجّالتهم عليها، وصارت رجّالتُها فُرسانًا، وأقاموا بأرضِ دارا ثلاثَ عَشْرَة ليلة، وتَحصَّن منهم أهل دارا وأهلُ نَصِيبين وأهلُ سِنْجار، وخرج صالحٌ ليلةَ خرجَ في مئة وعشرين - وقيل في مئة وعشرة - قال: وبلغ مخرجهُم محمد بن مروان وهو يومئذ أميرُ الجزيرة، فاستخفّ بأمرهم، وبعث إليهم عديّ بن عديّ بن عُميرة من بني الحارث بن معاوية بن ثور في خَمسمئة، فقال له: أصَلح الله الأمير! أتَبعثني إلى رأس الخوارج منذ عشرين سنة! قد خرج من مئة فارس في خمسمئة رجل، قال له: فإني أزيدك خمسمئة أخرى، فسر إليهم في ألف، فسار من حرّان في ألف