طال ذلك على شبيب أمرَ أصحابه ذات ليلة فسرَوْا (١). (٦/ ٢٣٠ - ٢٣١).
قال أبو مخنف: فحدّثني فروة بنُ لَقيط أنّ شبيبًا دعانا ونحن بدير بيرما ستون ومئة رجل، فجعل على كلّ أربعين من أصحابه رجلًا، وهو في أربعين، وجعل أخاه مصادًا في أربعين، وبعث سُوَيد بن سُليم في أربعين، وبعث المحلَّل بن وائل في أربعين، وقد أتتْه عيونُه فأخبرتْه أنّ الجزل بن سعيد قد نزل ديرَ يزدَجِرْد، قال: فدعانا عند ذلك فعبَّانا هذه التعبية، وأمرنا فعلَّقْنا على دوابنا، وقال لنا: تيسَّروا فإذا قضمتْ دوابُّكم فاركبوا، ولْيسر كلّ امرئ منكم مع أميره الَّذي أمَّرناه عليه، ولْينظر كل امرئ منكم ما يأمرُه أميرُه فليتَبعه، ودعا أمراءنا فقال لهم: إني أريد أن أبيِّت هذا العسكرَ اللَّيلة، ثم قال لأخيه مصاد: إيتهم فارتفعْ من فوقهم حتَّى تأتيَهم من ورائهم من قِبَل حُلوان، وسآتيهم أنا من أمامي من قِبل الكوفة، وائْتِهم أنتَ يا سويد من قِبَل المشرق، وائْتِهم أنتَ يا محلّل من قِبَل المغرب، ولْيَلِج كلّ امرئ منكم على الجانب الَّذي يَحمِل عليه، ولا تُقلِعوا عنهم، تَحمِلون وتكرّون عليهم، وتصيحون بهم حتَّى يأتيَكم أمري، فلم نزل على تلك التعبية، وكنتُ أنا في الأربعين الَّذين كانوا معه، حتى إذا قَضمتْ دوابُّنا - وذلك أوّل اللَّيلِ أوّل ما هدأت العيون - خرجْنا حتى انتَهينا إلى دَيْر الخرّارة، فإذا للقوم مَسلحة، عليهم عِياض بن أبي لينة، فما هو إلا أن انتهَينا إليهم، فحَمَل عليهم مصاد أخو شبيب في أربعين رجلًا، وكان أمام شبيب، وقد كان أراد أن يَسبِق شبيبًا حتَّى يرتفع عليهم ويأتيهم من ورائهم كما أمره، فلمَّا لقيَ هؤلاء قاتَلهم فصبروا ساعةً، وقاتلوهم، ثمّ إنّا دفعنا إليهم جميعًا، فحَمَلْنا عليهم فهزمناهم، وأخذوا الطريق الأعظم وليس بينهم وبين عسكرهم بدَيْر يَزْدَجرد إلا قَريب من ميل، فقال لنا شبيب: اركبوا معاشر المسلمين أكتافهم حتَّى تدخُلوا معهم عسكرَهم إن استطعتم؛ فاتّبعناهم والله مُلِظِّين بهم، ملحِّين عليهم، ما نرفّه عنهم وهم منهزمون، ما لهم همّة إلا عسكرهم، فانتهوا إلى عسكرهم، ومنعهم أصحابُهم أن يدخلُوا عليهم، ورَشَقونا بالنَّبْل، وكانت عيون لهم قد أتتْهم فأخبرتْهم بمكاننا، وكان الجَزْل قد خندق عليه، وتحرّز ووضع هذه المسلحة الَّذين لقِيناهم بدَيْر الخرّارة، ووَضَع مسلحةً أخرى ممَّا يلي حُلوان على