خانِيجار، فأخذ عروة كتابَه فأدْرَجَه وسرّح به إلى الحجَّاج بالبصرة، فلمَّا قرأه الحجَّاج أقبل جوادًا إلى الكُوفة، وأقبَل شبيب يسيرُ حتَّى انتهى إلى قرية يقال لها حَرْبى على شاطيء دِجْلة فعبر منها، فقال: ما اسمُ هذه القرية؟ فقالوا: حَرْبَى؛ فقال: حرْب يَصْلى بها عدوّكم، وحَرب تُدخِلونه بُيوتهم، إنَّما يتطيَّر من تقُوف ويَعِيف، ثم ضرب رايتَه وقال لأصحابه: سيروا؛ فأقبَل حتَّى نزل عَقْرقُوفَا، فقال له سُويد بن سُليم: يا أميرَ المؤمنين، لو تحوّلتَ بنا من هذه القرية المشؤومة الاسم! قال: وقد تطيَّرتَ أيضًا! والله لا أتحوّل عنها حتَّى أسيرَ إلى عدوّي منها، إنَّما شؤمُها إن شاء الله على عدوِّكم تَحمِلون عليهم فيها، فالعَقْر لهم.
ثمّ قال لأصحابه: يا هؤلاء، إنّ الحجّاج ليس بالكوفة، وليس دون الكوفة إن شاء الله شيءٌ، فسيروا بنا. فخرج يُبادِر الحجَّاج إلى الكوفة، وكتب عُروةُ إلى الحجَّاج أنّ شبيبًا قد أقبل مسرعًا يريد الكوفة، فالعجلَ العجلَ، فطوى الحجّاج المنازل، واستبَقا إلى الكوفة، ونزلها الحجّاج صلاةَ الظهر، ونزل شبيبٌ السَّبَخة صلاةَ المغرب، فصلَّى المغرب والعِشاء، ثمّ أصاب هو وأصحابه من الطعام شيئًا يسيرًا، ثمّ ركبوا خيولهم فدخلوا الكوفة، فجاء شبيبٌ حتَّى انتهى إلى السوق، ثمّ شذ حتى ضربَ بابَ القصر بعموده.
قال أبو المنذر: رأيت ضربَةَ شبيب بباب القصر قد أثَّرتْ أثَرًا عظيمًا، ثمّ أقبل حتَّى وقف عند المَصْطبة، ثم قال:
وكأنَّ حافِرَهَا بكلِّ خَمِيلَةٍ ... كَيْلٌ يَكِيلُ به شَحِيحٌ مُعْدِمُ
ثمّ اقتحموا المسجد الأعظم وكان كبيرًا لا يفارقه قومٌ يصلون فيه، فقَتل عقيلَ بن مصعب الوادعيّ وعديّ بن عمرو الثَّقفيّ وأبا لَيْث بن أبي سُلَيم مولى عَنْبسة بن أبي سُفيان، وقتلوا أزهرَ بن عبد الله العامريّ، ومَرّوا بدار حَوْشب هو على الشُّرَط فوقفوا على بابه وقالوا: إنّ الأمير يدعو حَوْشبًا، فأخرج ميمون غلامه بِرْذَونَ حَوْشب ليركبه حَوْشب، فكأنَّه أنكرهم فظنُّوا أنه قد اتَّهمهم، فأراد أن يدخل، فقالوا له: كما أنت، حتَّى يَخرجُ صاحبُك، فسمع حوْشب الكلامَ، فأنكرَ القوم، فخرج إليهم فلمَّا رأى جماعتَهم أنكرَهم، وذهب لينصرِف، فعجَّلوا نحوه، ودخل وأغلَق الباب، وقتلوا غلامَه ميمونًا، وأخذوا بِرْذَوْنه