للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عبد الملك بن مروان قد بعث محمَّد بن موسى بن طلحة على سِجِسْتان، وكتب له عليها عهده، وكتب إلى الحجَّاج: أمَّا بعد، فإذا قدم عليك محمد بن موسى فجهِّز معه ألفَيْ رجل إلى سِجْستان، وعجِّلْ سرَاحه، وأمَر عبد الملك محمَّد بن موسى بمكاتبة الحجَّاج، فلمَّا قدم محمَّد بنُ موسى جعل يتحبَّس في الجَهاز، فقال له نصحاؤه، تعجَّل أيّها الأمير إلى عَمَلك؛ فإنَّك لا تدري ما يكون من أمر الحَجَّاج! وما يبدو له.

فأقام على حالِه، وحدَث من أمر شبيب ما حدثَ، فقال الحجَّاج لمحمَّد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله: تلقى شبيبًا وهذه الخارجةَ فتجاهِدْهم ثمّ تَمضِي إلى عملك، وبعث الحجَّاج مع هؤلاء الأمَراء أيضًا عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كُرَيز القُرشيّ وزياد بن عمرو العتكيّ، وخرج شبيبٌ حيث خرج من الكوفة، فأتى المردمة وبها رجل من حضرَموت على العُشور يقال له ناجية بن مَرْثد الحضرمي، فدخل الحمَّام ودخل عليه شبيب فاستخرجه فضرب عنقه، واستقبل شبيب النضّر بن القَعْقَاع بن شَوْر - وكان مع الحجاج حين أقبلَ من البصرة، فلمَّا طوى الحجَّاجُ المنازل خلّفه وراءه - فلما رآه شبيب ومعه أصحابه عرفه، فقال له شبيب: يا نضر بن القَعْقَاع، لا حُكم إلا لله - وإنَّما أراد شبيب بمقالته له تَلقِينَه، فلم يفهم النَّضر - فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، فقال أصحاب شبيب: يا أمير المؤمنين، كأنَّك إنَّما تريد بمقالتك أن تلقِّنَه، فشَدّوا على نضر فقتَلوه.

قال: واجتمعتْ تلك الأمراء في أسفل الفرات، فترك شبيب الوجهَ الذي فيه جماعةُ أولئك القواد، وأخذ نحو القادسيَّة، ووجَّه الحجَّاج زَحْر بن قيس في جَريدة خيل نقاوة ألف وثمانمئة فارس، وقال له: أتْبع شبيبًا حتى تواقعَه حيثما أدركْتَه، إلا أن يكون منطلقًا ذاهبًا فاتركه ما لم يعطف عليك أو ينزل فيقيم لك، فلا تبرحْ إن هو أقام حتَّى تواقعه، فخرج زَحْر حتى انتهى إلى السَّيْلحِين، وبلغ شبيبًا مَسيرُه إليه، فأقبل نحوه فالتقَيَا، فجَعل زَحْر على ميمنته عبد الله بن كنَاز النَّهديّ، وكان شجاعًا وعلى ميسرته عديَّ بن عديّ بن عميرة الكنديّ الشيبانيّ، وجمع شبيب خيلَه كلّها كَبْكَبةً واحدة، ثمّ اعترض بها الصفّ، فوجف وجيفًا، واضطرب حتَّى انتهى إلى زَحْر بن قيس، فنزل زَحْر بن قيس، فقاتل زَحْر حتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>