للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُرع، وانهزم أصحابُه، وَظنّ القومُ أنَّهم قد قتلوه، فلما كان في السَّحَر وأصابَه البرد قام يتمشّى حتَّى دخل قريةً فبات بها، وحُمل منها إلى الكوفة وبوَجْهه ورأسه بضع عشرة جراحة ما بين ضربة وطعنة، فمكث أيَّامًا، ثمّ أتى الحجَّاج وعلى وجْهه وجراحه القُطن، فأجْلسه الحجَّاج معه على السَّرير، وقال لمن حوله: من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنَّة يمشي بين الناس وهو شَهِيد فلينظرْ إلى هذا، وقال أصحابُ شبيب لشبيب وهم يظنّون أنَّهم قد قتلوا زَحْرًا: قد هزمنا لهم جُنْدًا، وقَتلَنا لهم أميرًا من أمرائهم عظيمًا، انصرِفْ بنا الآن وافرين، فقال لهم: إنْ قتلنا هذا الرجل، وهزيمتنا هذا الجند، قد أرْعبتْ هذه الأمراء والجنود التي بُعثَتْ في طلبكم، فاقصِدوا بنا قصْدَهم، فوالله لئن نحن قتلناهم ما دون الحجَّاج من شيء وأخْذ الكوفة إن شاء الله، فقالوا: نحن لرأيك سمع تَبع، ونحن طوع يديك.

قال: فانقضّ بهم جوادًا، حتى يأتي نَجْران - وهي نَجْران الكوفة ناحية عَيْن التَّمر - ثمّ سأل عن جماعة القوم فخُبّر باجتماعهم برُوذبار في أسفل الفُرات في بِهْقُباذ الأسفل على رأس أربعة وعشرين فرسخًا من الكُوفة، فبلغ الحجَّاجَ مسيره إليهم، فبعث إليهم عبد الرحمن بن الغَرِق مولى ابن أبي عَقِيل - وكان على الحجَّاج كريمًا - فقال له: اِلحَق بجماعتهم - يَعنِي جماعةَ الأمراء - فأعلمْهم بمسير المارقة إليهم، وقل لهم: إنْ جمعكم قِتالٌ فأميرُ الناس زائدة بن قدامة، فأتاهم ابن الغرِق فأعْلمهم ذلك، وانصرَف عنه. (٦/ ٢٤٢ - ٢٤٤).

قال أبو مِخنف: فحدّثني عبد الرحمن بن جُنْدب قال: انتهى إلينا شَبيب وفينا سَبعة أمراء على جماعتهم زائدةُ بن قدامة، وقد عبَّى كلّ أمير أصحابه على حِدَة، ففي ميمنتنا زيادُ بن عمرو العتكيّ، وفي ميسرتنا بشر بن غالب الأسديّ، وكلّ أمير واقف في أصحابه، فأقبل شبيبٌ حتَّى وقف على تَلّ، فأشرف على الناس وهو على فرس له كُمَيت أغرّ، فنظر إلى تعبيتهم، ثئم رجع إلى أصحابه، فأقبل في ثلاثِ كتائب يوجفون، حتى إذا دنا من الناس مضتْ كتيبةٌ فيها سُوَيد بن سُليم، فتقف في ميمنتنا، ومضت كتيبة فيها مَصاد أخو شبيب، فوقفتْ على ميسرتنا، وجاء شبيبٌ في كتيبة حتَّى وقف مُقابِل القلب، قال: وخرج زائدةُ بنُ قدامة يسيرُ في الناس فيما بين ميمنتهم إلى ميسرتهم، يحرّض الناس ويقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>