لكذلك إذ انفجر الفَجْر ومحمَّد بن موسى بن طلحة بن عبيدالله في أقْصَى العسكر، معه عصابة من أصحابه قد صبروا، فلمَّا انفجر الفجر أمر مؤذِّنه فأذّن، فلمَّا سَمِع شبيب الأذان قال: ما هذا؟ فقال: هذا محمَّد بن موسى بن طلحة بن عُبيد الله لم يَبَرح؛ فقال: قد ظننت أنّ حُمقه وخُيَلاءه سيحمله على هذا؛ نَحُّوا هؤلاء عَنَّا وانزلوا بنا فلنُصَلّ، قال: فنزل فأذّن هو، ثمّ استقدم فصلَّى بأصحابه، فقرأ:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}، و {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}، ثم سلَّم، ثم رَكِبوا فَحَمَلَ عليهم فانكشف طائفة من أصحابه، وثبتتْ طائفة. قال فروة: فما أنسى قوَله وقد غَشينَاه وهو يقاتل بسيفه وهو يقول: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
قال: وضارب حتَّى قتل، قال: فسمعتُ أصحابي يقولون: إن شبيبًا هو الَّذي قتله، ثمّ إنّا نزلْنا فأخذنا ما كان في العسكر من شيء، وهرب الّذين كانوا بايعوا شبيبًا فلم يبق منهم أحد (١). (٦/ ٢٤٦ - ٢٤٧).
وقد ذكر من أمر محمَّد بن موسى بن طلحة غيرُ أبي مِخنَف أمرًا غير الَّذي ذكرته عنه، والذي ذكر من ذلك أنّ عبدَ الملك بن مروان كان ولّى محمَّدَ بن موسى بن طلحة سِجِستان، فكتب إليه الحجَّاج: إنك عامل كلّ بلد مررت به، وهذا شبيب في طريقك، فعدل إليه محمَّد، فأرسل إليه شبيب: إنك امرؤ مخدوع، قد اتَّقى بك الحجَّاج، وأنا جارٌ لك حقّ، فانطَلِقْ لما أمِرتَ به ولك الله لا آذَيْتك، فأبى إلا محاربته، فواقفه شبيب، وأعاد إليه الرسول، فأبى إلّا قتاله، فدعا إلى البراز، فبرز إليه البطين ثم قعنب ثم سويد، فأبى إلا شبيبًا، فقالوا لشبيب: قد رغب عنا إليك، قال: فما ظنكم هذه الأشراف! فبرز إليه شبيب. وقال: إني أنشدُكَ اللهَ في دَمِكَ، فإنّ لك جِوارًا، فأبى إلا قِتَاله فحَمَل عليه شبيبٌ فضربه بعصا حديدٍ فيها اثنا عشر رطلًا بالشافي، فهشم بها بيضة عليه ورأسه فسقط، ثم كفَّنه ودفنه، وابتاع ما غنموا من عسكره، فبعث به إلى أهله، واعتذر إلى أصحابه وقال: هو جاري بالكوفة، ولي أن أهَبَ ما غنمتُ لأهل الرّدّة. (٦/ ٢٤٧ - ٢٤٨).