قال عمرُ بنُ شَبَّة: قال أبو عبيدة: كان محمَّد بنُ موسى مع عمر بن عبيد الله بن معمر بفارس، وشهد معه قتال أبي فُدَيك وكان على ميمنته، وشُهِر بالنَّجْدة، وشدة البأس وزوّجه عمر بن عُبيد الله بن معمر ابنتَه أمّ عثمان وكانت أخته تحت عبد الملك بن مروان - فولاه سِجِسْتان، فمرَّ بالكوفة وبها الحجَّاج بن يوسف، فقيل للحجَّاج: إن صار هذا إلى سِجِسْتان، مع نجدته وصهْره لعبد الملك فلجأ إليه أحد ممَّن تطلب، مَنَعَك منه؛ قال فما الحيلة؟ قيل: تأتيه وتسلّم عليه، وتذكر نجدته وبأسه وأنّ شبيبًا في طريقه، وأنه قد أعياك، وأنَّك ترجو أن يريحَ الله منه على يده، فيكون له ذكر ذلك وشهرته، ففعل، فعدل إليه محمَّد بن موسى بن طلحة بن عُبيد الله، فواقعه شبيب، فقال له شبيب: إني قد علمتُ خِدَاعَ الحجَّاج، وإنَّما اغترّك وَوَقى بك نفسَه، وكأني بأصحابك لو قد التقَتْ حَلْقَتَا البطان قد أسلَموك، فُصرعتَ مَصرع أصحابِك؛ فأطِعْني وانطلِق لشأنِك، فإني أنفسُ بك عن الموت؛ فأبَى محمَّد بن موسى، فبارَزَه شبيب فقتله. (٦/ ٢٤٨).
رجع الحديث إلى حديث أبي مِخنَف، قال عبدُ الرحمن: لقد كان فيمن بايَعه تلك الليلة أبو بُردَة بن أبي موسى الأشعريّ، فلمَّا بايعه قال له شبيب: ألَسْتَ أبا بردة! قال: بلى؛ قال شبيب لأصحابه: يا أخلّائي، أبو هذا أحد الحَكَمين، فقالوا: ألا نقتل هذا؟ فقال: إنّ هذا لا ذنبَ له فيما صنع أبوه؛ قالوا: أجل. قال: وأصبح شبيب، فأتى مُقِبلًا نحوَ القَصْر الَّذي فيه أبو الضَّريس وأعيَن فرَموه بالنَّبل، وتحصَّنا منه، فأقام ذلك اليوم عليهم، ثمّ شخص عنهم، فقال له أصحابُه: ما دون الكوفة أحد يمنعنا؛ فنظر فإذا أصحابُه قد جُرِحوا؛ فقال لهم: ما عليكم أكثر ممَّا قد فعلتم، فخرج بهم على نِفرَّ، ثمّ على الصَّراة، ثمّ على بغداد، ثم خرج إلى خانِيجَار فأقام بها.
قال: ولمَّا بلغ الحجَّاجَ أن شبيبًا قد أخذ نحو نِفرَّ ظَنّ أنَّه يريد المدائن - وهي باب الكوفة، ومَن أخذ المدائن كان ما في يده من أرض الكوفة أكثر - فهال ذلك الحجَّاج، وبعث إلى عثمان بن قَطَن، ودعاه وسرّحه إلى المدائن، وولّاه منبَرها والصّلاة ومَعونة جُوخى كلَّها وخَراجَ الأسْتان.
فخرج مسرعًا حتَّى نزل المدائن، وعزل الحجَّاجُ عبدَ الله بن أبي عُصيفير؛