بسُويد، فناداهم الحجَّاج: يا أهلَ السمع والطاعة، هكذا فافعلوا، قدّمْ كُرْسيّ يا غلام.
ثمّ إنّ شبيبًا حَمَل عليهم في كتيبته فَثبتُوا له، حتَّى إذا غشي أطراف الرّماح وَثَبوا في وجهه، فقاتَلهم طويلًا، ثمّ إنّ أهل الشام طعَنوه قُدُمًا حتى ألْحَقُوه بأصحابه، فلمَّا رأى صبرَهم نادى: يا سويد، احمِل في خَيْلك على أهل هذه السكة - يعنِي سِكَّة لحَّام جرير - لعلك تزيل أهلَها عنها، فتأتي الحجَّاجَ من ورائه، ونَحمل نحن عليه من أمامه، فانفرد سُوَيد بن سُلَيم فَحَمل على أهل تلك السكة؛ فرمى من فوق البُيوت وأفواه السكك، فانصرفَ، وقد كان الحجَّاج جعل عروةَ بن المغيرة بن شعبة في نحو من ثلاثمئة رجل من أهل الشام ردْءًا له ولأصحابه لئلا يُؤْتَوا من وَرائهِ (١). (٦/ ٢٦٧ - ٢٧١).
قال أبو مخنف: فحدّثني فَروة بن لَقيط: أنّ شبيبًا قال لنا يومئذ: يا أهل الإسلام إنَّما شريْنا الله، ومن شرى اللهَ لم يكبر عليه ما أصابه من الأذى والألم في جَنْب الله، الصَّبرَ الصَّبر، شدّة كشَدّاتكم في مواطنكم الكريمة.
ثمّ جمع أصحابَه، فلَما ظنّ الحجَّاج أنه حامل عليهم قال لأصحابه: يا أهل السمع والطاعة، اصبِروا لهذه الشَّدّة الواحدة، ثمّ وربِّ السماء ما شيءٌ دونَ الفتح. فجثَوا على الرُّكَب، وحَمَل عليهم شبيب بجميع أصحابه، فلمَّا غشيهم نادى الحجَّاج بجماعة الناس، فوثبوا في وجهه، فما زالوا يَطعنُون ويَضربون قُدمًا ويَدفَعون شبيبًا وأصحابَه وهو يقاتِلُهم حتَّى بلغوا موضع بُسْتان زائدة، فلما بلغ ذلك المكان نادى شبيب أصحابَه: يا أولياء الله، الأرضَ الأرض، ثم نزل وأمر أصحابه فنزل نصفُهم وترك نصفهم مع سُوَيد بن سليم، وجاء الحجَّاج حتى انتهى إلى مسجد شبث، ثم قال: يا أهل الشام، يا أهل السَّمع والطاعة، هذا أوّل الفَتْح والَّذي نفسُ الحَجَّاج بيَده! وصَعد المسجد معه نحوٌ من عشرين رجلًا معهم النَّبْل، فقال: إن دَنوْا منا فارشقوهم، فاقتتلوا عامَّة النهار من أشدّ قتال في الأرض، حتَّى أقرّ كل واحد من الفريقين لصاحبه، ثمّ إنّ خالد بن عتَّاب قال