فيكم وتغنَى وهي في تَزَيّدِ ... فقد رضينَا بالغلامِ الأَمردِ
بل قد فرغنا غيرَ أَن لم نَشْهَدِ ... وغير أَنَّ العقدَ لم يُؤَكَّدِ
فلو سمِعنا قَوْلَكَ امْدُدِ امددِ ... كانت لنا كَدَعْقَةِ الوردِ الصَّدِي
فبادر الْبَيْعةَ ورْدَ الحُشَّدِ ... تَبينُ من يومك هذا أَو غَدِ
فهو الذي تمَّ فما من عُنَّدِ ... وزاد ما شئتَ فَزِدْهُ يَزْددِ
ورَدِّهِ منك رِداءً يَرْتَدِ ... فهو رداءُ السابِقِ المُقلَّدِ
قد كان يُرْوَى أَنها كَأَنْ قدِ ... عادت ولو قد فَعَلَتْ لم تَرْدُدِ
فَهْيَ تَرَامَى فَدْفَدًا عن فَدْفدِ ... حينًا، فلو قد حان وردُ الوُرَّدِ
وحان تحويلُ الغَوِيّ المُفْسِدِ ... قال لها اللهُ هَلُمِّي وارشُدي
فأَصْبَحَتْ نازلةً بالمعهدِ ... والمحْتِدِ المحتدِ خيْرِ المحتد
لم يرْمِ تَذْمارَ النفوس الحُسَّدِ ... بمثل قَرمٍ ثابتٍ مُؤَيّد
لما انْتَحَوْا قَدْحًا بِزَنْدٍ مُصْلِدِ ... بُلُوا بِمَشْزُورِ القُوى المُسْتحصِد
يَزْدَادُ إِيقَاظًا على التَّهَدُّدِ ... فَدَاوِلوا باللينِ والتَّعَبُّدِ
* صَمْصَامَةً تأْكلُ كلَّ مِبْرَدِ *
قال: فرويت وصارت في أفواه الخدم، وبلغتْ أبا جعفر، فسأل عن قائلها، فأخبِرَ أنها لرجل من بني سَعْد بن زيد مناة، فأعجبه، فدعاني فأدخِلت عليه؛ وإن عيسى بن موسى لعَنْ يمينه، والناس عنده، ورؤوس القوّاد والجند، فلما كنتُ بحيث يراني، ناديت: يا أمير المؤمنين، أذنني منك حتى أفهِمك وتسمع مقالتي فأومأ بيده، فأدنِيتُ حتى كنتُ قريبًا منه، فلما صرتُ بين يديه قلتُ - ورفعتُ صوتي - أنشده مِنْ هذا الموضع، ثم رجعتُ إلى أوّل الأرجوزة؛ فأنشدتها من أوّلها إلى هذا الموضع أيضًا، فأعدتُ عليه حتى أتيتُ على آخرها، والناس منصتون، وهو يتسارّ بما أنشده، مستمعًا له؛ فلمّا خرجنا من عنده إذا رجلٌ واضعٌ يده على منكبي، فالتفتّ فإذا عقال بن شبّة يقول: أمّا أنت فقد سررْتَ أمير المؤمنين؛ فإن التأم الأمر على ما تحبّ وقلتَ، فلعمري لتصيبنّ منه خيرًا. وإن يك غير ذلك، فابتغ نفقًا في الأرض أو سلّمًا في السماء. قال: فكتب له المنصور بصلة إلى الرّيّ، فوجّه عيسى في طلبه، فلُحق في طريقه، فذُبح وسُلخ وجهه.