فقتلتك، قيل لي: قتلتَ خنزيرًا؛ فلم أعتقد بذلك فخرًا ولا ذِكْرًا، وإن نالني منك شيء كان سُبّة عليّ، فقال: إن أنت لم تفعل رجعت إلى السباع فأعلمتُها أنك نكلتَ عني وجبنت عن قتالي، فقال الأسد: احتمال عمار كذبك أيسر عليّ من لطخ شاربي بدمك.
وذُكِر عن محمَّد بن رياح الجوهريّ، قال: ذكر لأبي جعفر تدبير هشام بن عبد الملك في حَرْب كانت له، فبعث إلى رجل كان معه ينزل الرُّصافة - رُصافة هشام - يسأله عن ذلك الحرب، فقدم عليه فقال: أنت صاحب هشام؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فأخبرني كيف فعل في حرب دبرها في سنة كذا وكذا؟ قال: إنَّه فعل فيها رحمه الله كذا وكذا، ثم أتبع بأن قال: فعل كذا رضي الله عنه؛ فأحفظ ذلك المنصور، فقال: قم عليك غضب الله! تطأ بساطِي وتترحم على عدوّي! فقام الشَّيخ، وهو يقول: إن لعدوّك زيادة في عنقي ومنة في رقبتي لا ينزعها عني إلَّا غاسلي، فأمر المنصور بردّه، وقال: اقعد، هيه! كيف قلت؟ فقلت: إنَّه كَفاني المطلب، وصان وجهي عن السؤال، فلم أقف على بَاب عربيّ ولا أعجمي منذ رأيتُه، أفلا يجب عليّ أن أذكره بخير وأتبعه بثنائي! فقال: بلى، لله أمٌّ نهضت عنك، وليلة أدّتك، أشهد أنك نهيض حُرّة وغراس كريم؛ ثم استمع منه وأمر له ببرّ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، ما آخذه لحاجة، وما هو إلَّا أني أتشرّف بحِبائك، وأتبجّح بصِلتك. فأخذ الصّلة وخرج، فقال المنصور: عند مثل هذا تحسن الصنيعة، ويُوضع المعروف، ويجاد بالمصون، وأين في عسكرنا مثله!
وذكر عن حفص بن غياث، عن ابن عيّاش، قال: كان أهل الكوفة لا تزال الجماعة منهم قد طعنوا على عاملهم، وتظلّموا على أميرهم، وتكلّموا كلامًا فيه طعن على سلطانهم؛ فرُفع ذلك في الخبر، فقال للربيع: أخرج إلى مَنْ بالباب من أهل الكوفة، فقل لهم: إن أميرَ المؤمنين يقول لكم لئن اجتمع اثنان منكم في موضع لأحلقنّ رءوسهما ولحاهما، ولأضربنّ ظهورهما، فالزموا منازلكم، وابقوا على أنَّفسكم. فخرج إليهم الرَّبيع بهذه الرسالة فقال له ابن عياش: يا شبه عيسى بن مريم، أبلغ أمير المؤمنين عنا كما أبلغتنا عنه، فقل له: والله يا أميرَ المؤمنين ما لنا بالضَّرْب طاقة، فأمَّا حلْق اللِّحى فإذا شئت - وكان ابن عياش