للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له، فأدخِلت مدخلًا من القَصْر لم أدخله قطّ، ثم صرتُ إلى حُجيرة صغيرة، وفيها بيت واحد ورِواق بين يديه في عَرْض البيت وعَرْض الصحن، على أسطوانة ساجٍ، وقد سدل على وجه الرّواق بواريّ كما يصنع بالمساجد، فدخلت فإذا في البيت مِسْح ليس فيه شيء غيره إلَّا فراشه ومرافقه ودِثاره، فقلتُ: يا أمير المؤمنين، هذا بيت أربأ بك عنه، فقال: يا عمّ، هذا بيت مبيتي، قلت: ليس هنا غير هذا الذي أرى، قال: ما هو إلَّا ما ترَى.

قال: وسمعته يقول عمَّن حدّثه، عن جعفر بن محمَّد، قال: قيل إنّ أبا جعفر يعرف بلباس جبة هروية مرقوعة؛ وأنَّه يرقع قميصه، فقال جعفر: الحمد لله الذي لطف له حتَّى ابتلاه بفقر نفسه - أو قال: بالفقر في ملكه. قال: وحدثني أبي، قال: كان المنصور لا يولي أحدًا ثم يعزله إلَّا ألقاه في دار خالد البطين - وكان منزل خالد على شاطئ دِجلة، ملاصقًا لدار صالح المسكين - فيستخرج من المعزول مالًا، فما أخذ من شيء أمر به فعُزل، وكُتِبَ عليه اسم مَنْ أخِذ منه، وعزل في بيت مال، وسمّاه بيتَ مال المظالم، فكثر ما في ذلك البيت من المال والمتاع. ثم قال للمهدي: إنِّي قد هيّأت لك شيئًا تُرضي به الخلق ولا تغرم من مالك شيئًا، فإذا أنا متّ فادع هؤلاء الذين أخذتُ منهم هذه الأموال التي سميتُها المظالم، فاردد عليهم كلّ ما أخِذ منهم؛ فإنَّك تستحمد إليهم وإلى العامة؛ ففعل ذلك المهديّ لما وليَ.

قال عليّ بن محمَّد: فكان المنصور ولّى محمَّد بن عبيد الله بن محمَّد بن سليمان بن محمَّد بن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث البلقاء، ثم عزله، وأمر أن يُحمَل إليه مع مالٍ وُجِد عنده، فحُمل إليه على البريد، وألفِيَ معه ألفًا دينار، فحملت مع ثقله على البريد - وكان مصلى سُوسَنْجِرْد ومضربة ومرفقة ووسادتين وطستًا وإبريقًا وأشناندانة نحاس - فوجد ذلك مجموعًا كهيئته؛ إلَّا أن المتاع قد تأكّل، فأخذ ألفي الدينار، واستحيا أن يخرج ذلك المتاع، وقال: لا أعرفه، فتركه، ثم ولّاه المهديّ بعد ذلك اليمن، وولّى الرشيد ابنه الملقب ربرا المدينة.

وذكر أحمد بن الهيثم بن جعفر بن سليمان بن عليّ، قال: حدثني صباح بن خاقان، قال: كنت عند المنصور حين أتِيَ برأس إبراهيم بن عبد الله بن حسن،

<<  <  ج: ص:  >  >>