وقال عليّ بن محمَّد عن أبيه: إنّ رجلًا من الرّاونديّة كان يقال له الأبلق، وكان أبرصَ، فتكلم بالغلوّ، ودعا بالرّاونديّة إليه، فزعم أن الرّوح التي كانت في عيسى بن مريم صارت في عليّ بن أبي طالب، ثم في الأئمة، في واحد بعد واحد إلى إبراهيم بن محمَّد، وأنهم آلهة، واستحلّوا الحُرمات؛ فكان الرجل منهم يدعو الجماعة منهم إلى منزله فيُطعمهم ويسقيهم ويحملهم على امرأته؛ فبلغ ذلك أسد بن عبد الله، فقتلَهم وصلَبهم، فلم يزل ذلك فيهم إلى اليوم، فعبدوا أبا جعفر المنصور وصعدوا إلى الخضراء، فألقوْا أنفسهم، كأنهم يطيرون، وخرج جماعتهم على النَّاس بالسِّلاح، فأقبلوا يصيحون بأبي جعفر: أنت أنت! قال: فخرج إليهم بنفسه، فقاتلهم فأقبلوا يقولون وهم يقاتلون: أنت أنت. قال: فحُكِي لنا عن بعض مشيختنا أنَّه نظر إلى جماعة الراونديّة يرمون أنفسهم من الخضراء كأنهم يَطيرون، فلا يبلغ أحدهم الأرض إلَّا وقد تفتّت، وخرجت روحه.
قال أحمد بن ثابت مولى محمَّد بن سليمان بن عليّ عن أبيه: إن عبد الله بن عليّ، لما توارى من المنصور بالبصرة عند سليمان بن عليّ أشرف يومًا ومعه بعض مواليه ومولى لسليمان بن عليّ، فنظر إلى رجل له جَمَال وكمال، يمشي التَّخاجى، ويجرّ أثوابه من الخُيلاء، فالتفت إلى مولىً لسليمان بن عليّ، فقال: من هذا؟ قال له: فلان ابن فلان الأمويّ، فاستشاط غضبًا وصفق بيديه عجبًا، وقال: إن طريقنا لنَبَك بعد، يا فلان - لمولى له - أنزل فأتني برأسه، وتمثّل قول سَدِيف:
علامَ، وفيمَ نَترُكُ عبدَ شمسٍ ... لها في كلِّ راعيةٍ ثُغاءُ!
فما بالرَّمسِ في حَرّانَ منها ... ولو قُتِلَتْ بأَجْمَعِها وفاءُ
وذكر عليّ بن محمَّد المدائنيّ أنَّه قدم على أبي جعفر المنصور - بعد انهزام عبد الله بن عليّ وظفر المنصور به، وحبسه إياه ببغداد - وفد من أهل الشأم فيهم الحارث بن عبد الرحمن، فقام عِدّة منهم فتكلّموا، ثم قام الحارث بن عبد الرحمن، فقال: أصلح الله أمير المؤمنين! إنا لسنا وفدَ مباهاة، ولكنا وفد تَوبة؛ وإنا ابتلينا بفتنة استفزّت كريمَنا، واستخفَّتْ حليمَنا، فنحن بما قدّمنا معترفون، وممّا سلف منّا معتذرون، فإن تعاقبْنا فبما أجرمنا، وإن تعفُ عنا