فبفضلك علينا؛ فاصفح عنا إذْ ملكت، وامنن إِذ قَدرت، وأحسِنْ إذ ظفرت، فطالما أحسنت! قال أبو جعفر: قد فعلت.
وذكر عن الهيثم بن عديّ عن زيد مولى عيسى بن نهيك، قال: دعاني المنصور بعد موتِ مولاي، فقال: يا زيد، قلت: لَبّيك يا أمير المؤمنين؛ قال: كم خلّف أبو زيد من المال؟ قلت: ألف دينار أو نحوها، قال: فأين هي؟ قلت: أنفقتْها الحرّة في مأتمه. قال: فاستعظم ذلك، وقال: أنفقت الحرّة في مأتمه ألف دينار! ما أعجب هذا! ثم قال: كم خلّف من البنات؟ قلت: ستًّا، فأطرق مليًّا ثم رفع رأسه، وقال: اغدُ إلى باب المهديّ، فغدوت فقيل لي: أمعك بغال؟ فقلت: لم أومر بذلك ولا بغيره؛ ولا أدري لِمَ دعيت! قال: فأعطِيتُ ثمانين ومائة ألف دينار، وأمِرتُ أن أدفع إلى كلّ واحدة من بنات عيسى ثلاثين ألف دينار. ثم دعاني المنصور، فقال: أقبضت ما أمرنا به لبنات أبي زيد؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اغد عليّ بأكفائهنّ حتَّى أزوّجهنّ منهم؛ قال: فغدوتُ عليه بثلاثة من ولد العكيّ وثلاثة من آل نهيك من بني عَمهنّ، فزوّج كلّ واحدة منهنّ على ثلاثين ألف درهم، وأمر أن تحمَل إليهنّ صدقاتهنّ من ماله، وأمرني أن أشتريَ بما أمر به لهنّ ضياعًا، يكون معاشهنّ منها، ففعلت ذلك.
وقال الهيثم: فرّق أبو جعفر على جماعة من أهل بيته في يوم واحد عشرة آلاف درهم، وأمر للرّجل من أعمامه بألف ألف، ولا نعرف خليفة قبله ولا بعده وصلَ بها أحدًا من النَّاس (١).
وقال العباس بن الفضل: أمر المنصور لعمومته: سليمان، وعيسى، وصالح، وإسماعيل، بني عليّ بن عبد الله بن عباس، لكلّ رجل منهم بألف ألف معونةً له من بيت المال. وكان أول خليفة أعطى ألف ألف من بيت المال؛ فكانت تجري في الدواوين.
وذكر عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، قال: حدّثني الفضل بن الرَّبيع، عن أبيه، قال: جلس أبو جعفر المنصور للمدنيّين مجلسًا عامًّا ببغداد - وكان وفد إليه منهم جماعة - فقال: لينتسب كلّ من دخل عليّ منكم، فدخل عليه فيمن