دخل شابّ من ولد عمرو بن حزم، فانتسب ثم قال: يا أميرَ المؤمنين، قال الأحوص فينا شعرًا، منعنا أموالنا من أجله منذ ستِّين سنة، فقال أبو جعفر: فأنشدني، فأنشده:
لا تَأْوِيَنَّ لحَزمِيٍّ رأَيتَ به ... فقرًا وِإن أُلقِيَ الحَزْمِيُّ في النَّار (١)
النَّاخِسِين بِمَرْوان بذي خُشُبٍ ... والداخلين على عثمانَ في الدار
قال: والشّعر في المدح للوليد بن عبد الملك؛ فأنشده القصيدة، فلما بلغ هذا الموضع قال الوليد: أذكرتَني ذنب آل حَزْم، فأمر باستصفاء أموالهم. فقال أبو جعفر: أعِدْ عليّ الشعر، فأعاده ثلاثًا، فقال له أبو جعفر: لا جرم، إنك تحتظِي بهذا الشعر كما حرِمت به، ثم قال لأبي أيّوب: هات عشرة آلاف درهم فادفعها إليه لغنائه إلينا، ثم أمر أن يكتب إلى عمالة أن تردّ ضياع آل حزم عليهم، ويُعْطَوْا غلّاتها في كل سنة من ضياع بني أميَّة، وتقسَّم أموالهم بينهم على كتاب الله على التناسخ، ومن مات منهم وفِّر على ورثته. قال: فانصرف الفتى بما لم ينصرف به أحد من النَّاس.
وحدّثني جعفر بن أحمد بن يَحْيَى، قال: حدّثني أحمد بن أسد، قال: أبطأ المنصور عن الخروج إلى النَّاس والركوب، فقال النَّاس: هو عليل، وكثروا، فدخل عليه الرَّبيع، فقال: يا أميرَ المؤمنين، لأمير المؤمنين طولُ البقاء، والنّاس يقولون، قال: ما يقولون؟ قال: يقولون: عليل؛ فأطرق قليلًا ثم قال: يا ربيع، ما لنا وللعامّة! إنَّما تحتاج العامة إلى ثلاث خلال، فإذا فُعل ذلك بها فما حاجتهم! إذا أقيم لهم مَنْ ينظر في أحكامهم فينصف بعضَهم من بعض، ويُؤمِن سبلَهم حتَّى لا يخافوا في ليلهم ولا نهارهم، ويسدّ ثغورهم وأطرافهم حتَّى لا يجيئهم عدوّهم؛ وقد فعلنا ذلك بهم. ثم مكث أيامًا، وقال: يا ربيع، اضرب الطبل؛ فركِب حتَّى رآه العامة.
وذكر عليّ بن محمَّد، قال: حدّثني أبي، قال: وجّه أبو جعفر مع محمَّد بن أبي العباس بالزنادقة والمُجَّان، فكان فيهم حماد عَجْرد، فأقاموا معه بالبصرة يظهر منهم المجُون؛ وإنما أراد بذلك أن يبغّضه إلى النَّاس، فأظهر محمَّد أنَّه