يعشق زينب بنت سليمان بن عليّ، فكان يركب إلى المِربَد، فيتصدّى لها؛ يطمع أن تكون في بعض المناظر تنظر إليه؛ فقال محمَّد لحمَّاد: قل لي فيها شعرًا، فقال فيها أبياتًا، يقول فيها:
يا ساكنَ المِرْبَدِ قد هِجْتَ لي ... شَوْقًا فما أنفكُّ بالمِرْبَدِ
قال: فحدّثني أبي قال: كان المنصور نازلًا على أبي سنتين، فعرفت الخصيب المتطبّب لكثرة إتيانه إياه؛ وكان الخصيب يُظهر النصرانية وهو زِنديق معطّل لا يبالي مَنْ قتل، فأرسل إليه المنصور رسولًا يأمره أن يتوخى قتل محمَّد بن أبي العباس، فاتّخذ سمًّا قاتلًا، ثم انتظر عِلَّة تحدث بمحمد، فوجد حرارة، فقال له الخصيب: خذ شربة دواء، فقال: هَيِّئها لي، فهيّأها، وجعل فيها ذلك السمّ ثم سقاه إياها، فمات منها. فكتبت بذلك أمّ محمَّد بن أبي العباس إلى المنصور تعلمه أنّ الخصيب قتل ابنَها. فكتب المنصور يأمر بحمله إليه؛ فلما صار إليه ضربه ثلاثين سوطًا ضربًا خفيفًا، وحبسه أيامًا، ثم وهب له ثلثمائة درهم، وخلّاه.
قال: وسمعتُ أبي يقول: كان المنصور شَرط لأمّ موسى الحميرية ألّا يتزوّج عليها ولا يتسرّى، وكتبت عليه بذلك كتابًا أكّدته وأشهدت عليه شهودًا، فعزب بها عشر سنين في سلطانه؛ فكان يكتب إلى الفقيه بعد الفقيه من أهلِ الحجاز يستفتيه، ويحمل إليه الفقيه من أهل الحجاز وأهل العراق فيعرِض عليه الكتاب ليفتيه فيه برُخصة؛ فكانت أمّ موسى إذا علمتْ مكانه بادرتْه، فأرسلت إليه بمال جزيل، فإذا عرض عليه أبو جعفر الكتاب لم يفته فيه برُخصة، حتَّى ماتت بعد عشر سنين من سلطانه ببغداد، فأتته وفاتها بحُلوان، فأهديت له في تلك الليلة مائة بِكْر؛ وكانت أم موسى ولدت له جعفرًا والمهديّ.
وذكِر عن عليّ بن الجَعْد أنَّه قال: لما قدم بختيشوع الأكبر على المنصور من السوس، ودخل عليه في قَصْره بباب الذَّهب ببغداد، أمر له بطعام يتغدّى به، فلما وضعت المائدة بين يديه، قال: شراب، فقيل له: إن الشّراب لا يُشرب على مائدة أمير المؤمنين، فقال: لا آكل طعامًا ليس معه شراب، فأخبِر المنصور بذلك، فقال: دعوه، فلما حضر العشاء فعل به مثل ذلك، فطلب الشراب، فقيل له: لا يُشرب على مائدة أمير المؤمنين الشراب، فتعشّى وشرب ماء دِجلة،