للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان من الغد نظر إلى مائه، فقال: ما كنت أحسب شيئًا يُجزي من الشراب، فهذا ماء دِجلة يجزي من الشراب.

وذكر عن يَحْيَى بن الحسن أن أباه حدّثه، قال: كتب المنصور إلى عامله بالمدينة أن بعْ ثمار الضياع ولا تبعها إلَّا ممَّن نغلبه ولا يغلبنا؛ فإنَّما يغلبنا المفلس الذي لا مال له، ولا رأي لنا في عذابه، فيذهب بما لنا قِبَله ولو أعطاك جزيلًا، وبعْها من الممكن بدون ذلك ممّن ينصفك ويوفيك.

وذكر أبو بكر الهُذليّ أنّ أبا جعفر كان يقول: ليس بإنسان من أسْدِيَ إليه معروف فنسيه دون الموت.

وقال الفضل بن الرَّبيع: سمعت المنصور يقول: كانت العرب تقول: الغَوَى الفادح خير من الرّيّ الفاضح.

وذكر عن أبان بن يزيد العنبريّ أن الهيثم القارى البصريّ قرأ عند المنصور {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (١)، إلى آخر الآية، فقال له المنصور: وجعل يدعو: اللَّهم جنّبني وبنيّ التبذير فيما أنعمت به علينا من عطيّتك.

قال: وقرأ الهيثم عنده: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} (٢) فقال للنَّاس: لولا أنّ الأموال حصن السلطان ودعامة للدين والدنيا وعزّهما وزينتهما ما بتّ ليلة وأنا أحرز منه دينارًا ولا درهمًا، لما أجد لبذل المال من اللذاذة؛ ولما أعلم في إعطائه من جزيل المثوبة.

ودخل على المنصور رجل من أهل العلم، فازدراه واقتحمته عينُه، فجعل لا يسأله عن شيء إلَّا وجد عنده، فقال له: أنَّى لك هذا العلم! قال: لم أبخل بعلمٍ علمتُه، ولم أستح من علم أتعلّمه. قال: فمن هناك!

قال: وكان المنصور كثيرًا ما يقول: مَنْ فعل بغير تدبير، وقال عن غير تقدير، لم يعدم من النَّاس هازئًا أو لاحيًا.

وذكر عن قحطبة، قال: سمعت المنصور يقول: الملوك تحتمل كلَّ شيء من


(١) سورة الإسراء: ٢٦.
(٢) سورة النساء: ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>