البديهة غير أبي جعفر وداود بن عليّ والعباس بن محمَّد.
وذكر عن أبي توبة الرّبيع بن نافع، عن ابن أبي الجوزاء، أنَّه قال: قمت إلى أبي جعفر وهو يخطب ببغداد في مسجد المدينة على المنبر فقرأت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}(١)، فأخِذت فأدخلت عليه، فقال: مَن أنت ويلك! إنما أردتَ أن أقتلك، فأخرج عني فلا أراك. قال: فخرجت من عنده سليمًا.
وقال عيسى بن عبد الله بن حميد: حدّثني إبراهيم بن عيسى، قال: خطب أبو جعفر المنصور في هذا المسجد - يعني به مسجد المدينة ببغداد - فلما بلغ: اتقوا الله حق تقاته، قام إليه رجل، فقال: وأنت يا عبد الله، فاتَّق الله حق تقاته ... فقطع أبو جعفر الخطبة، وقال: سمعًا سمعًا، لمن ذكّر بالله، هات يا عبد الله، فما تُقى الله؟ فانقطع الرجل فلم يقل شيئًا، فقال أبو جعفر: الله الله أيها النَّاس في أنفسكم، لا تحملونا من أموركم ما لا طاقة لكم به، لا يقوم رجل هذا المقام إلَّا أوجعتُ ظهره، وأطلت حبسه. ثم قال: خذه إليك يا ربيع، قال: فوثِقنا له بالنجاة - وكانت العلامة فيه إذا أراد بالرجل مكروهًا قال: خذه إليك يا مسيّب - قال: ثم رجع في خطبته من الموضع الذي كان قطعه، فاستحسن النَّاس ذلك منه، فلما فرغ من الصَّلاة دخل القصر؛ وجعل عيسى بن موسى يمشي على هِينته خلْفَه، فأحسّ به أبو جعفر، فقال: أبو موسى؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: كأنَّك خفتَني على هذا الرجل! قال: والله لقد سبق إلى قلبي بعضُ ذلك؛ إلَّا أن أمير المؤمنين أكثر علمًا، وأعلى نظرًا من أن يأتي في أمره إلَّا الحقّ، فقال: لا تخفني عليه. فلما جلس قال: عليّ بالرجل، فأتِيَ به، فقال: يا هذا؛ إنك لما رأيتَني على المنبر، قلت: هذا الطاغية لا يسعني إلَّا أن أكلِّمه، ولو شغلت نفسك بغير هذا لكان أمثَل لك؛ فاشغلها بظماء الهواجر، وقيام الليل، وتغبير قدميك في سبيل الله؛ أنطه يا ربيع أربعمائة درهم، واذهب فلا تعد.
وذكر عن عبد الله بن صاعد، مولى أمير المؤمنين أنَّه قال: حجّ المنصور بعد