أهل بيته، صعد المنبر، فحمَّد الله وأثنى عليه، ثم صَلَّى على النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: يا أهلَ خُراسان، أنتم شيعتُنا وأنصارنا وأهلُ دولتنا، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا مَنْ هو خير منا، وإنّ أهلَ بيتي هؤلاء من ولد عليّ بن أبي طالب تركناهم والله الذي لا إله إلَّا هو والخلافةَ، فلم نعرض لهم فيها بقليل ولا كثير؛ فقام فيها عليّ بن أبي طالب فتلطّخ وحكَّم عليه الحكَمين؛ فافترقت عنه الأمة، واختلفت عليه الكلمة، ثمّ وثبت عليه شيعتُه وأنصاره وأصحابه وبطانته وثقاته فقتلوه، ثمّ قام من بعده الحسن بن عليّ؛ فوالله ما كان فيها برجُل؛ قد عرِضت عليه الأموال، فقبلها، فدسّ إليه معاوية: إنِّي أجعلك وليَّ عهدي من بعدي، فخدعه فانسلخ له مما كان فيه، وسلّمه إليه، فأقبل على النساء يتزوّج في كل يوم واحدة فيطلقها غدًا؛ فلم يزل على ذلك حتَّى مات على فِراشه، ثمّ قام من بعده الحسين بن عليّ، فخدعه أهل العراق وأهلُ الكوفة؛ أهل الشِّقاق والنفاق والإغراق في الفتن، أهل هذه المَدَرة السوداء - وأشار إلى الكوفة - فوالله ما هي بحرب فأحاربها، ولا سلم فأسالمها، فرّق الله بيني وبينها، فخذلوه وأسلموه حتَّى قتِل، ثم قام من بعده زيد بن عليّ، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه؛ فلما أخرجوه وأظهروه أسلموه؛ وقد كان أتى محمَّد بن عليّ، فناشده في الخروج وسأله ألّا يقبل أقاويل أهل الكوفة، قال له: إنا نجد في بعض علمنا، أنّ بعض أهل بيتنا يُصلَب بالكوفة، وأنا أخاف أن تكون ذلك المصلوبَ؛ وناشده عمّي داود بن عليّ وحذّره غدر أهل الكوفة فلم يقبل؛ وأتمّ على خروجه، فقتِل وصلب بالكُناسة، ثم وثب علينا بنو أميّة، فأماتوا شرفنا، وأذهبوا عزّنا؛ والله ما كانت لَهم عندنا تِرَة يطلبونها؛ وما كان لهم ذلك كله إلّا فيهم وبسبب خروجهم عليهم؛ فنفوْنا من البلاد، فصرْنا مرَّة بالطائف، ومرّة بالشام، ومرّة بالشّراة؛ حتَّى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارًا، فأحيا شرَفنا، وعزّنا بكم أهل خراسان، ودمغ بحقِّكم أهلَ الباطل، وأظهر حقنا، وأصار إلينا ميراثنا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فقرّ الحق مقرَّه، وأظهر مناره، وأعزّ أنصاره، وقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. فلما استقرت الأمور فينا على قرارها؛ من فضل الله فيها وحكمه العادل لنا، وثبوا علينا، ظلمًا وحسدًا منهم لنا، وبغيًا لما فضّلنا الله به عليهم، وأكرمنا به من خلافته وميراث نبيه - صلى الله عليه وسلم -.