جَهْلًا عليّ وجُبْنًا عن عدوّهمُ ... لبئست الخَلَّتان الجَهْل والجُبْنُ
فإنّي والله يا أهل خراسان ما أتيت من هَذا الأمر ما أتيت بجهالة، بلغني عنهم بعض السقم والتعرّم، وقد دسست لهم رجالًا فقلت: قم يا فلان قم يا فلان، فخذ معك من المال كذا، وحذوت لهم مثالًا يعملون عليه؛ فخرجوا حتَّى أتوْهم بالمدينة، فدسُّوا إليهم تلك الأموال؛ فوالله ما بقي منهم شيخ ولا شابّ، ولا صغير ولا كبير إلَّا بايعهم بيعةً، استحللت بها دماءهم وأموالهم وحَلَّت لي عند ذلك بنقضِهم بيعتي، وطلبهم الفتنة، والتماسهم الخروج عليّ؛ فلا يرون أني أتيتُ ذلك على غير يقين. ثم نزل وهو يتلو على دَرَج المنبر هذه الآية:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ}(١).
قال: وخطب المنصور بالمدائن عند قتل أبي مسلم، فقال:
أيُّها النَّاس؛ لا تخرجُوا من أنسِ الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تُسرُّوا غشَّ الأئمة، فإنَّه لم يُسرّ أحد قطّ منكرةً إلَّا ظهرت في آثار يده، أو فلتاتِ لسانه؛ وأبداها الله لإمامه؛ بإعزاز دينه، وإعلاء حقه. إنا لن نبخسَكم حقوقَكم، ولن نبخَس الدّين حقه عليكم. إنَّه مَنْ نازعنا عُرْوة هذا القميص أجزَرْناه خبِيّ هذا الغمْد. وإن أبا مسلم بايعَنا وبايع النَّاس لنا، على أنَّه مَنْ نكث بنا فقد أباحَ دمه، ثم نكث بنا، فحكمنا عليه حكمه على غيره لنا؛ ولم تمنعنا رعاية الحقّ له من إقامة الحقّ عليه.
وذكر إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أن الفَضل بن الرّبيع أخبره عن أبيه، قال: قال المنصور: قال أبي: سمعتُ أبي؛ علي بن عبد الله يقول: سادة الدُّنيا الأسخياء، وسادة الآخرة الأنبياء.
وذكِر عن إبراهيم بنِ عيسى، أن المنصور غضب على محمَّد بن جُمَيْل الكاتب - وأصله من الرّبذة - فأمر ببطحه، فقام بحجَّته، فأمر بإقامته، ونظر إلى سراويله، فإذا هو كَتّان، فأمر ببطحه وضربه خمس عشرة درّة، وقال: لا تلبس سراويل كَتَّان فإنَّه من السرف.
وذكر محمَّد بن إسماعيل الهاشميّ، أن الحسن بن إبراهيم حدّثه، عن