للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئًا كثيرًا، وكذلك كان المهديّ، فكانوا يخلُون بالمهديّ ليلًا فيقولون: هو على أنَّ يصبح فيثور بيعقوب؛ فإذا أصبح غدًا عليه يعقوب وقد بلغه الخبر، فإذا نظر إليه تبسّم، فيقول: إنّ عندك لخيرًا! فيقول: نعم، فيقول: اقعد بجانبي فحدِّثني، فيقول: خلوت بجاريتي البارحة، فقالت وقلت، فيصنع لذلك حديثًا، فيحدّث المهديّ بمثل ذلك، ويفترقان على الرضا، فيبلغ ذلك مَنْ يسعى على يعقوب، فيتعجّب منه (١).

قال: وقال لي الموصليّ: قال يعقوب بن داود للمهديّ في أمر أراده: هذا والله السرف، فقال: ويلك! وهل يحسن السرف إلَّا بأهل الشرف! ويْلك يا يعقوب، لولا السرف لم يعرَف المكثرون من المقترين (٢).

وقال عليّ بن يعقوب بن داود عن أبيه، قال: بعث إليّ المهدي يومًا، فدخلت عليه، فإذا هو في مجلس مفروش بفَرْش مُوَرّد متناهٍ في السرور على بستان فيه شجر، ورؤوس الشجر مع صحن المجلس، وقد اكتسى ذلك الشجر بالأوراد والأزهار من الخَوْخ والتفاح، فكلّ ذلك مورّد يشبه فرش المجلس الذي كان فيه، فما رأيت شيئًا أحسَن منه؛ وإذا عنده جارية ما رأيتُ أحسنَ منها، ولا أشطَّ قَوامًا، ولا أحسن اعتدالًا، عليها نحو تلك الثياب، فما رأيت أحسن من جملة ذلك. فقال لي: يا يعقوب، كيف ترى مجلسنا هذا؟ قلت: على غاية الحسن، فمتَع الله أمير المؤمنين به، وهنّأه إياه فقال: هو لك، احمله بما فيه وهذه الجارية ليتمّ سرورك به. قال: فدعوت له بما يجب. قال: ثم قال: يا يعقوب، ولي إليك حاجة، قال: فوثبتُ قائمًا ثم قلت: يا أميرَ المؤمنين، ما هذا إلَّا من موجدة، وأنا أستعيذ بالله من سخط أمير المؤمنين! قال: لا،


(١) موسى بن إبراهيم المسعودي وأبوه مجهولان ويعقوب متهم بوضع أشعار على لسان بشار بن برد فكيف يعتمد على إسناد هذا حاله وعلى تلك التهم التي لا تصح عن المهدي بل تخالف الأخبار الصحيحة في سيرته رحمه الله، والله أعلم.
(٢) الموصلي مغنّ لعّاب مترف ماجن، وانظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (٩/ ٨٠/ تر ٨٨) والراوي عنه هو المسعودي وهو مجهول، بل المهدي رجل كان يروي الحديث ويحب الغزو وكان يناصب العداء لأهل البدع ويجلّ أهل العلم ويحترم القضاة، لين الجانب، كما أكدت الأخبار الصحاح، انظر تعليقنا عند الحديث عن سير المهدي وأخباره.

<<  <  ج: ص:  >  >>