مجلسه، فجلس المهديّ على وسادة، وجلس أبو عون بين يدْيه، فبرّه المهديّ، وتوجَّع لعلَّته. وقال أبو عون: أرجو عافيةَ الله يا أمير المؤمنين، وألا يميتني على فراشِي حتى أقتَل في طاعتك، وإني لواثِق بألّا أموت حتى أبْلِيَ الله في طاعتك ما هو أهله، فإنا قد رُوّينا. قال: فأظهر له المهديّ رأيًا جميلًا، وقال: أوصني بحاجتك، وسَلْني ما أردت، واحتكم في حياتك ومماتك، فوالله لئن عجز مالُك عن شيء توصي به لأحتملنّه كائنًا ما كان، فقل وأوصِ. قال: فشكر أبو عون ودعا، وقال: يا أميرَ المؤمنين، حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون، وتدعوَ به، فقد طالت موجِدتك عليه. قال: فقال: يا أبا عون، إنه على غير الطريق، وعلى خلاف رأينا ورأيك، إنه يقَع في الشيْخَيْن أبي بكر وعمر، ويسيء القول فيهما. قال: فقال أبو عون: هو والله يا أميرَ المؤمنين على الأمر الذي خرجنا عليه، ودعونا إليه، فإن كان قد بدا لكم فمُرونا بما أحببتم حتى نُطيعَكم. قال: وانصرف المهديّ، فلما كان في الطريق قال لبعض مَنْ كان معه من ولده وأهله: ما لكم لا تكونون مثل أبي عون! والله ما كنت أظنُّ منزله إلا مبنيًّا بالذهب والفضة، وأنتم إذا وجدتم درهمًا بنيتم بالسّاج والذهب.
وذكر أبو عبد الله، قال: حدّثني أبي، قال: خطب المهديّ يومًا، فقال: عباد الله، اتقوا الله، فقام إليه رجل، فقال: وأنت فاتَّقِ الله، فإنك تعمل بغير الحق. قال: فأخِذ فحُمل فجعلوا يتلقَّونَه بنعال سيوفهم، فلما أدخِل عليه قال: يا بن الفاعلة، تقول لي وأنا على المنبر: اتق الله! قال: سوْءة لك! لو كان هذا من غيرك كنتُ المستعدِي بك عليه، قال: ما أراك إلا نَبطيًّا، قال: ذاك أوكد للحجّة عليك أن يكون نَبَطيّ يأمرك بتقوى الله. قال: فرئيَ الرّجل بعد ذلك، فكان يحدّث بما جرى بينه وبين المهديّ. قال: فقال أبي: وأنا حاضره، إلا أني لم أسمع الكلام.
وقال هارون بن ميمون الخُزاعيّ: حدّثنا أبو خزيمة البادغيسيّ، قال: قال المهديّ: ما توسَّل إليَّ أحد بوسيلة، ولا تذرّع بذريعة هي أقرب من تذكيره إياي يدًا سلفتْ مني إليه أتبعها أختها، فأحسن ربَّها، لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.
قال: وذكر خالد بن يزيد بن وهب بن جرير، أن أباه حدّثه، قال: كان