للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى المسجد، ومضى الآخرون إلى مبارك التركيّ، إلى دار عمر بن عبد العزيز بالثنيَّة يقيل فيها، وواعد الناس الرّواح، فلما غفلوا عنه، جلس على رَوَاحله فانطلق، وراح الناس فلم يجدوه، فناوشوهم شيئًا من القتال إلى المغرب، ثم تفرَّقوا، وأقام حسين وأصحابه أيامًا يتجهَّزون. وكان مقامهم بالمدينة أحد عشر يومًا، ثم خرج يوم أربعة وعشرين لستّ بقِين من ذي القعدة، فلما خرجوا من المدينة عاد المؤذنون فأذنوا، وعاد النّاس إلى المسجد، فوجدوا فيه العظام التي كانوا يأكلون وآثارهم، فجعلوا يدعون الله عليهم، ففعل الله بهم وفعل.

قال محمد بن صالح: فحدّثني نصير بن عبد الله بن إبراهيم الجُمَحيّ، أنّ حسينًا لما انتهى إلى السوق متوجِّهًا إلى مكة التفت إلى أهل المدينة، وقال: لا خلف الله عليكم بخير! فقال الناس وأهل السوق: لا بل أنت، لا خلف الله عليك بخير، ولا ردّك! وكان أصحابه يُحدِثون في المسجد، فملؤوه قذرًا وبولًا، فلما خرجوا غسل الناس المسجد.

قال: وحدّثني ابن عبد الله بن إبراهيم، قال: أخذ أصحاب الحسين ستورَ المسجد، فجعلوها خَفاتِين لهم، قال: ونادى أصحابُ الحسين بمكة: أيما عبدٍ أتانا فهو حرّ، فأتاه العبيد، وأتاه عبد كان لأبي، فكان معه، فلما أراد الحسين أن يخرج أتاه أبِي فكلمه، وقال له: عمدتَ إلى مماليك لم تملكْهم فأعتقتَهم، بم تستحلّ ذلك! فقال حسين لأصحابه: اذهبوا به، فأيّ عبد عرَفه فادفعوا إليه، فذهبوا معه، فأخذ غلامه وغلامين لجيران لنا.

وانتهى خبر الحسين إلى الهادي، وقد كان حجّ في تلك السنة رجال من أهل بيته، منهم محمد بن سليمان بن عليّ والعباس بن محمد وموسى بن عيسى، سوى من حجّ من الأحداث. وكان على الموسم سليمان بن أبي جعفر، فأمر الهادي بالكتاب بتولية محمد بن سليمان على الحرب، فقيل له: عمَّك العباس بن محمد! قال: دعوني، لا والله لا أخدَع عن ملكي، فنفذ الكتاب بولاية محمد بن سليمان بن عليّ على الحرب، فلقيَهم الكتاب وقد انصرفوا عن الحجّ. وكان محمد بن سليمان قد خرج في عدّة من السلاح والرجال، وذلك لأن الطريق كان مخوفًا معوِرًا من الأعراب، ولم يحتشد لهم حسين، فأتاه خبرهم، فهم بصوبه، فخرج بخدَمه وإخوانه. وكان موسى بن عليّ بن موسى قد صار

<<  <  ج: ص:  >  >>