ببطْن نخل، على الثلاثين من المدينة، فانتهى إليه الخبر ومعه إخوانه وجواريه، وانتهى الخبر إلى العباس بن محمد بن سليمان وكاتبهم، وساروا إلى مكة فدخلوا، فأقبل محمد بن سليمان، وكانوا أحرموا بعُمْرة، ثم صاروا إلى ذي طُوًى، فعسكروا بها، ومعهم سليمان بن أبي جعفر، فانضمّ إليهم من وافَى في تلك السنة من شيعة ولد العباس ومواليهم وقُوّادهم. وكان الناس قد اختلفوا في تلك السنة في الحجّ وكثروا جدًّا. ثم قدّم محمد بن سليمان قدامه تسعين حافرًا ما بين فَرس إلى بغل، وهو على نجيب عظيم، وخلفه أربعون راكبًا على النجائب عليها الرِّحال وخلْفهم مائتا راكب على الحمير، سوى مَنْ كان معهم من الرّجالة وغيرهم، وكثروا في أعين الناس جدًّا وملؤوا صدورهم فظنّوا أنهم أضعافهم، فطافوا بالبيت، وسعَوْا بين الصَّفا والمرْوة، وأحلّوا من عمرتهم، ثم مضوا فأتوا ذا طُوىً ونزلوا، وذلك يوم الخميس. فوجَّه محمد بن سليمان أبا كامل - مولًى لإسماعيل بن عليّ - في نيِّف وعشرين فارسًا، وذلك يوم الجمعة فلقيهم. وكان في أصحابه رجل يقال له زيد، كان انقطع إلى العبّاس، فأخرجه معه حاجًّا لما رأى من عبادته، فلما رأى القوم قلب ترسه وسيفه، وانقلب إليهم، وذلك ببطن مرّ، ثم ظفروا به بعد ذلك مشدّخًا بالأعمدة، فلما كان ليلة السبت وجّهوا خمسين فارسًا، كان أوّل مَنْ ندبوا صباح أبو الذّيال، ثم آخر ثم آخر، فكان أبو خلوة الخادم مولى محمد خامسًا، فأتوا المفضّل مولى المهديّ، فأرادوا أن يصيِّروه عليهم، فأبى وقال: لا، ولكن صيِّروا عليهم غيري وأكون أنا معهم، فصيّروا عليهم عبد الله بن حُميد بن رُزين السمرقنديّ - وهو يومئذ شابّ ابن ثلاثين سنة - فذهبوا وهم خمسون فارسًا، وذلك ليلة السبت. فدنا القوم، وزحفت الخيل، وتعبّأ الناس، فكان العباس بن محمد وموسى بن عيسى في الميسرة، ومحمد بن سليمان في الميمنة، وكان معاذ بن مسلم فيما بين محمد بن سليمان والعباس بن محمد، فلما كان قبل طلوع الفجر جاء حسين وأصحابه فشدّ ثلاثة من موالي سليمان بن عليّ - أحدهم زنجويه غلام حسان - فجاءوا برأس فطرحُوه قُدّام محمد بن سليمان - وقد كانوا قالوا: مَنْ جاء برأس فله خمسمائة درهم - وجاء أصحاب محمد فعَرْقَبوا الإبل، فسقطت محاملها. فقتلوهم وهزموهم، وكانوا خرجوا من تلك الثَّنايا، فكان الذين خرجوا مِمَا يلي محمد بن سليمان أقلّهم، وكان جلُّهم خرجوا مما يلي موسى بن عيسى