وذكر الفضل بن إسحاق الهاشميّ أن إبراهيم بن جبريل خرج مع الفضل بن يحيى إلى خُراسان وهو كاره للخروج، فأحفظ ذلك الفضلَ عليه. قال إبراهيم: فدعاني يومًا بعد ما أغفلني حينًا، فدخلت عليه؛ فلما صرت بين يديْه سلّمت، فما ردّ عليّ، فقلت في نفسي: شَرّ والله - وكان مضطجعًا، فاستوى جالسًا - ثم قال: ليفرخْ روْعك يا إبراهيم، فإنّ قدرتي عليك تمنعني منك؛ قال: ثم عقد لي على سجِسْتان، فلمّا حملت خراجها، وهبه لي وزادني خمسمائة ألف درهم. قال: وكان إبراهيم على شُرَطه وحَرَسه، فوجّهه إلى كابُل، فافتتحها وغنم غنائم كثيرة.
قال: وحدّثني الفضل بن العباس بن جبريل - وكان مع عمه إبراهيم - قال: وصل إلى إبراهيم في ذلك الوجه سبعة آلاف ألف، وكان عنده من مال الخراج أربعة آلاف ألف درهم، فلما قدم بغداد وبنى داره في البغيّين استزار الفضلَ ليريَه نعمته عليه، وأعدّ له الهدايا والطرَف وآنية الذهب والفضة، وأمر بوضع الأربعة الآلاف ألف في ناحية من الدار.
قال: فلما قعد الفضل بن يحيى قدّم إليه الهدايا والطُّرَف، فأبى أن يقبل منها شيئًا، وقال له: لم آتك لأسلُبَك، فقال: إنها نعمتك أيها الأمير، قال: ولك عندنا مزيد، قال: فلم يأخذ من جميع ذلك إلا سوطًا سِجزيًّا، وقال: هذا من آلة الفرسان، فقال له: هذا المال من مال الخراج، فقال: هو لك، فأعاد عليه، فقال: أما لك بيت يسعه! فسوّغه ذلك، وانصرف.
قال: ولما قدم الفضل بن يحيى من خُراسان خَرج الرّشيد إلى بستان أبي جعفر يستقبله، وتلقّاه بنو هاشم والناس من القوّاد والكتَّاب والأشراف، فجعل يصلُ الرجل بالألف ألف وبالخمسمائة ألف، ومدحه مرْوان بن أبي حفصة، فقال:
حَمِدنا الذي أَدَّى ابْنُ يَحيىَ فأَصْبَحَتْ ... بِمَقَدمِهِ تجري لنا الطَّيْرُ أَسْعُدا
وما هَجَعَتْ حتى رَأَتْهُ عُيونُنا ... ومَا زِلنَ حتى آبَ بالدَّمْع حُشَّدا