جزيلة؛ فما صار العصر حتى صار إليه ستون ألف دينار، فلما خرج الرشيد من العلَّة، ونقيَ بدنه من الدواء دعاه، فقال له: ما صنعت في يومك هذا؟ قال: يا سيدي، كسبت ستين ألف دينار، فاستكثرها وقال: وأين حاصلي؟ قال: معزول، قال: قد سوَّغناك حاصلنا؛ فأهد إلينا عشرة آلاف تفاحة، ففعل، فكان أربح مَن تاجره الرشيد (١).
وذكر عن إسماعيل بن صَبيح، قال: دخلتُ على الرشيد، فإذا جارية على رأسه، وفي يدها صحيفة ومِلْعقة في يدها الأخرى، وهي تلعقه أولًا فأولًا، قال: فنظرت إلى شيء أبيض رقيق فلم أدر ما هو! قال: وعلم أنِّي أحبُّ أن أعرفَه، فقال: يا إسماعيل بن صَبيح، قلت: لبيك يا سيدي، قال: تدري ما هذا؟ قلت: لا، قال: هذا جشيش الأرز والحنطة وماء نُخالة السميد؛ وهو نافع للأطراف المعوجَّة وتشنيج الأعصاب ويصفِّي البشرة، ويذهب بالكلَف، ويسمِّن البدن، ويجلُو الأوساخ. قال: فلم تكن لي همَّة حين انصرفت إلا أن دعوت الطباخ؛ فقلت: بكِّرْ عليَّ كلَّ غداة بالجشيش، قال: وما هو؟ فوصفت له الصِّفة التي سمعتها. قال: تضجر من هذا في اليوم الثالث، فعمِله في اليوم الأول فاستطبتُه، وعمله في اليوم الثاني فصار دونه، وجاء به في اليوم الثالث، فقلت: لا تُقدِّمه.
وذُكر أنَّ الرشيد اعتلَّ علة، فعالجه الأطباء، فلم يجد من عِلَّته إفاقة، فقال له أبو عمر الأعجميُّ: بالهند طبيب يقال له مَنكه، رأيتهم يقدِّمونه على كلِّ من بالهند؛ وهو أحد عُبَّادهم وفلاسفتهم، فلو بعث إليه أمير المؤمنين لعلَّ الله أن يبعث له الشفاء على يده! قال: فوجَّه الرَّشيد من حمله، ووجَّه إليه بصلة تعينه على سفره. قال: فقدم فعالج الرشيد فبرئ من علته بعلاجه، فأجرى له رزقًا واسعًا وأموالًا كافية، فبينا مَنْكَه مارًا بالخُلْد؛ إذا هو برجل من المانيِّين قد بسط كساءه، وألقى عليه عقاقير كثيرة، وقام يصف دواء عنده معجونًا، فقال في صفته: هذا دواء للحمَّى الدائمة وحمَّى الغِبِّ وحمَّى الربع، والمثلثة؛ ولوجع الظهر والركبتين والبواسير والرياح، ولوجع المفاصل ووجع العينين، ولوجع