البَطْن والصُّداع والشقيقة ولتقطير البول والفالج والارتعاش؛ فلم يدَعْ عِلة في البَدَن إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاء منها، فقال مَنْكهَ لترجمانه: ما يقول هذا؟ فترجم له ما سمع، فتبسَّم مَنْكَه، وقال: على كلِّ حال ملك العرب جاهل؛ وذاك أنه إنْ كان الأمر على ما قال هذا، فلمَ حملني من بلادي، وقطعني عن أهلي، وتكلَّف الغليظَ من مؤنتي، وهو يجد هذا نصب عينيه وبإزائه! وإن كان الأمر ليس كما يقول هذا فلم لا يقتله! فإن الشريعة قد أباحت دمه ودم مَنْ أشبهه؛ لأنه إن قُتل، فإنما هي نفس يحيا بقتلها خلْق كثير؛ وإن ترك هذا الجاهل قَتلَ في كلِّ يوم نفسًا، وبالحَري أن يقتل اثنتين وثلاثًا وأربعًا في كلِّ يوم؛ وهذا فساد في التدبير، ووهن في المملكة.
وذُكر أنَّ يحيى بن خالد بن برمك ولَّى رجلًا بعض أعمال الخراج بالسَّوَاد، فدخل إلى الرشيد يودِّعه؛ وعنده يحيى وجعفر بن يحيى، فقال الرشيد ليحيى وجعفر: أوصياه، فقال له يحيى: وَفِّرْ واعمرْ، وقال له جعفر: أنصِفْ وانتصف، فقال له الرشيد: اعدْل وأحسنْ.
وذكر عن الرشيد أنه غضب على يزيد بن مزيد الشيبانيِّ، ثم رضي عنه، وأذن له، فدخل عليه، فقال: يا أميرَ المؤمنين؛ الحمد لله الذي سهَّل لنا سبيل الكرامة، وحلَّ لنا النِّعمة بوجه لقائك، وكشف عنا صُبابة الكرب بإفضالك، فجزاك الله في حالِ سخطك رضا المنيبين، وفي حال رضاك جزاء المنعمين الممتنِّين المتطوِّلين؛ فقد جعلك الله وله الحمد، تتثبَّتُ تحرُّجًا عند الغضب، وتتطوَّل ممتنًا بالنعم، وتعفو عن المسيء تفضُّلًا بالعفو.
وذكر مصعب بن عبد الله الزبيري أن أباه عبد الله بن مصعب أخبره أنَّ الرشيد قال له: ما تقول في الذين طعنوا على عثمان؟ قال: قلت: يا أمير المؤمنين، طعن عليه ناس؛ وكان معه ناس؛ فأما الذين طعنوا عليه فتفرَّقوا عنه؛ فهم أنواع الشِّيَع، وأهل البِدعَ، وأنواع الخوارج؛ وأما الذين كانوا معه فهم أهلُ الجماعة إلى اليوم. فقال لي: ما أحتاج أن أسأل بعد هذا اليوم عن هذا.
قال مصعب: وقال أبي - وسألني عن منزلة أبي بكر وعمر كانت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقلت له: كانت منزلتهما في حياته منه منزلتَهما في ممَاته، فقال: كفيتني ما أحتاج إليه.