قال: وُوُلِّيَ سلَام، أو رشيد الخادم - بعض خدَّام الخاصة - ضياعَ الرَّشيد بالثغور والشأمات، فتواترت الكتب بحسن سيرته وتوفيره وحمد الناس له، فأمر الرَّشيد بتقديمه والإحسان إليه، وضمِّ ما أحب أن يضمَّ إليه من ضياع الجزيرة ومصر. قال: فقدم فدخل عليه وهو يأكل سَفَرْجلًا قد أتى به من بلْخ؛ وهو يقشِّرهُ ويأكل منه، فقال له: يا فلان، ما أحسن ما انتهى إلى مولاك عنك، ولك عنده ما تحبُّ، وقد أمرت لك بكذا وكذا، ووليتك كذا وكذا، فسل حاجَتك، قال: فتكلَّم وذكر حسنَ سيرته، وقال: أنسَيْتُهم والله يا أمير المؤمنين سيرةَ العُمرين، قال: فغضبط واستشاط، وأخذ سفرجلة فرماه بها، وقال: يابن اللخناء، العمريْن، العمريْن، العمرين! هبنا احتملناها لعمر بن عبد العزيز، نحتملها لعمر بن الخطاب!
وذكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز حدَّثه، عن الضَّحاك بن عبد الله، وأثنى عليه خيرًا؛ قال: أخبرني بعضُ ولد عبد الله بن عبد العزيز، قال: قال الرَّشيد: والله ما أدري ما آمُر في هذا العُمَريُّ! أكره أن أقدم عليه وله خلَف أكرههم؛ وإني لأحبُّ أن أعرف طريقَه ومذهبه، وما أثق بأحد أبعثه إليه، فقال عمر بن بزيع والفضل بن الربيع: فنحن يا أمير المؤمنين، قال: فأنتما، فخرجا من العَرْج إلى موضع من البادية يقال له خلْص، وأخذا معهما أدلاء من أهل العرْج؛ حتى إذا ورد عليه في منزله أتَيَاه مع الضحى؛ فإذا هو في المسجد، فأناخا راحلتيهما ومَنْ كان معهما من أصحابهما، ثم أتياه على زيِّ الملوك من الريح والثياب والطِّيب؛ فجلسا إليه وهو في مسجد له، فقالا له؛ يا أبا عبد الرحمن، نحن رسل مَنْ خلْفنا من أهل المشرق، يقولون لك: اتقِّ الله ربك؛ فإذا شئت فقم. فأقبل عليهما، وقال: ويحكما! فيمن ولمن! قالا: أنت، فقال: والله ما أحبُّ أني لقيت الله بمحجمة دم امرئ مسلم، وأنَّ لي ما طلعت عليه الشمس؛ فلما أيسا هـ قالا: فإن معنا شيئًا تستعين به على دهرك، قال: لا حاجة لي فيه، أنا عنه في غنىً، فقالا له: إنها عشرون ألف دينار، قال: لا حاجة لي فيها، قالا: فأعطها مَنْ شئت، قال: أنتما، فأعطياها مَنْ رأيتما، ما أنا لكما بخادم ولا عَوْن. قال: فلما يئسا منه ركبا