راحلتيهما حتى أصبحا مع الخليفة بالسُّقيا في المنزل الثاني، فوجدا الخليفة ينتظرهما؛ فلما دخلا عليه حدثاه بما كان بينهما وبينه، فقال: ما أبالي ما أصنع بعد هذا فحجَّ عبدُ الله في تلك السنة، فبينا هو واقف على بعض أولئك البَاعة يشتري لصبيانه؛ إذا هارون يسعَى بين الصَّفا والمروة على دابَّة، إذ عرض له عبد الله وترك ما يريد، فأتاه حتى أخذ بلجام دابته، فأهوتْ إليه الأجناد والأحراس، فكفَّهم عنه هارون فكلمه. قال: فرأيتُ دموعَ هارون؛ وإنها لتسيل على مَعْرَفة دابته، ثم انصرف.
وذكر محمد بن أحمد مولَى بني سليم قال: حدثني الليث بن عبد العزيز الجوزجانيَّ - وكان مجاورًا بمكة أربعين سنة - أن بعض الحَجبَة حدَّثه أنَّ الرشيد لما حجَّ دخل الكعبة، وقام على أصابعه، وقال: يا مَنْ يملك حوائج السائلين ويعلم ضمير الصامتين، فإنَّ لكل مسألة منك ردًّا حاضرًا، وجوابًا عتيدًا، ولكلِّ صامت منك علمٌ محيط ناطق بمواعيدك الصادقة، وأياديك الفاضلة، ورحمتك الواسعة. صلِّ على محمد وعلى آل محمد، واغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنا سيئاتنا. يا مَنْ لا تضرُّه الذنوب، ولا تخفَى عليه العيوب، ولا تنقصه مغفرة الخطايا. يا من كبس الأرض على الماء، وسدَّ الهواء بالسَّماء، واختار لنفسه الأسماء، صلِّ على محمد، وخِرْ لي في جميع أمري. يا من خشعت له الأصوات بألوان اللغات يسألونك الحاجات؛ إنَّ من حاجتي إليك أن تغفر لي إذا توفَّيتني، وصرتُ في لحدي، وتفرَّق عني أهلي وولدي. اللهمَّ لك الحمد حمدًا يفضلُ على كلِّ حمد كفضلك على جميع الخلق. اللهم صلِّ على محمد صلاة تكون له رضًا، وصلِّ على محمد صلاةً تكون له حرزًا، واجْزه عنَّا خيرَ الجزاء في الآخرة والأولى. اللهمَّ أحينا سُعداء وتوفَّنا شُهداء، واجعلنا سعداء مرزوقين، ولا تجعلنا أشقياء محرومين!
وذكر عليُّ بن محمد عن عبد الله، قال: أخبرني القاسم بن يحيى، قال: بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن عليٍّ في الحَيْر، قال: فأُتىَ بهم، فنظر إليه الحسن بن راشد، وقال: ما لك؟ قال: بعث إليَّ هذا الرجل - يعني الرشيد - فأحضرني، ولست آمنه على نفسي، قال له: فإذا دخلتَ عليه فسألك، فقل له: الحسن بن راشد وضعَني في ذلك الموضع. فلمَّا دخل